أنت هنا
عن وقائع اختراع أرض إسرائيل أنطـوان شلحـت

يعتبر كتاب ‘اختراع أرض إسرائيل’ الذي صدر حديثاً في ترجمة عربية عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار (رام الله)، الجزء الثاني مما يمكن اعتباره ثلاثية يقدّم من خلالها البروفسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل أبيب، إعادة نظر جذرية في جملة من المسلمات الصهيونية الصنميّة الكاذبة عبر إخضاعها إلى محاكمة تاريخية متأنية وصارمة ومدروسة.
وكان الجزء الأول منها هو كتاب ‘اختراع الشعب اليهودي’، وسبق أن صدر بترجمة عربية أيضاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار.
أمّا الجزء الثالث منها فهو كتاب بعنوان ‘كيف لم أعد يهودياً؟’، وصدر باللغة العبرية عام 2013.
من نافل القول إن الوقائع التي يوردها ساند، شأنها شأن الاستنتاجات التي يتوصل إليها، توسّع دائرة الضوء كثيراً حول الأراجيف التي لجأت الحركة الصهيونية إليها لتدعيم تلك المسلمات من جهة، ومن جهة أخرى موازية ومكملة لتبرير مشروعها المتعلق باستعمار فلسطين وما ترتب عليه من آثار كارثية مدمرّة بالنسبة إلى سكانها الفلسطينيين الأصلانيين.
ويرى ساند بحق أن هدف الحركة الصهيونية من وراء هذه الأراجيف مجتمعة هو الاستفادة منها في الحد الأقصى ضمن سياق اختلاق قومية جديدة وشحنها بغايات استعمار فلسطين باعتبارها ‘وطن’ أبناء هذه القومية الجديدة منذ أقدم العصور.
وقد تمثل الهدف الأهم من وراء الترويج لتلك الأراجيف في الإقناع بأن هذا ‘الوطن’ (فلسطين) يعود إلى ‘الشعب اليهودي’ وإليه فقط، لا إلى أولئك ‘القلائل’ (الفلسطينيون) الذين أتوا إليه بطريق الصدفة ولا تاريخ قومياً لهم، وفقاً لمزاعم الحركة الصهيونية. وبناء على ذلك فإن حروب ذلك الشعب لاحتلال ‘الوطن’ وبعد ذلك لـ ‘حمايته’ من كيـد الأعداء المتأصل هي حروب عادلة بالمطلق، أمّا مقاومة السكان المحليين الأصلانيين فإنها إجرامية، وتسوّغ ما ارتكب ويُرتكب بحقهم من آثام وشرور مهما تكن فظاعتها.
وبينما انصب جهد ساند في الجزء الأول على تفكيك الأراجيف المتعلقة بإعادة كتابة الماضي اليهودي، من طرف كتّاب أكفاء عكفوا على تجميع شظايا ذاكرة يهودية- مسيانية واستعانوا بخيالهم المجنّح كي يختلقوا، بواسطتها، شجرة أنساب متسلسلة لـ ‘الشعب اليهودي’، فإن جهده في هذا الجزء الثاني منصب على تفكيك الأراجيف المتعلقة بتأكيد صلة ‘الشعب اليهودي’ بفلسطين التي تم اختراع اسم لها هو ‘أرض إسرائيل’ في سبيل إثبات تلك الصلة، وجرى استخدامه كأداة توجيه ورافعة للتَخيُل الجغرافي للاستيطان الصهيوني منذ أن بدأ قبل أكثر من مئة عام.
وفي سياق ذلك يقوّض الكتاب أسطورة كون ‘أرض إسرائيل’ الوطن التاريخي للشعب اليهودي، ويثبت أن الحركة الصهيونية هي التي سرقت مصطلح ‘أرض إسرائيل’ وهو ديني في جوهره وحولته إلى مصطلح جيو- سياسي، وبموجبه جعلت تلك ‘الأرض’ وطن اليهود، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
ويلفت من ضمن أمور أخرى إلى أن أتباع الحركة البيوريتانية- وهي الحركة ‘التطهّرية’ التي انبثقت عن البروتستانتية في بريطانيا- وخلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، كانوا أول من قرأ ‘التناخ’ (العهد القديم) على أنه كتاب تاريخي، ونظراً إلى كون هؤلاء متعطشين إلى الخلاص فقد ربطوا بين حركتهم ونهضة ‘شعب إسرائيل’ في أرضه. ويشدّد على أن هذه الرابطة لم تنشأ نتيجة قلقهم على اليهود الذين كانوا يعانون الأمرّين، وإنما أساساً بدافع الرؤيا القائلة إنه فقط بعد عودة ‘بني إسرائيل’ إلى صهيون سيحلّ الخلاص المسيحي على البشرية جمعاء، وفي إطار صفقة الرزمة طويلة الأمد هذه من المفترض أن يتنصّر اليهود، وعندها سيحظى العالم برؤية عودة يسوع المتجدّدة. وفي ضوء ذلك يؤكد المؤلف أن هؤلاء الذين يُطلق عليهم اسم ‘الصهاينة الجدد’، لا اليهود، هم الذين اخترعوا ‘أرض إسرائيل’ كمصطلح جيو – سياسي معاصر.