يعتبر هذا الكتاب محاولة للإسهام بالتعريف بإحدى أبرز المدارس الفلسفية الغربية المعاصرة ألا وهي مدرسة فرانكفورت النقدية، التي تعتبر انعطافة فكرية هامة في مسيرة الفكر الأوروبي الحديث بل والعالم بأسره. وهي الآن تحظى بعناية كبيرة نظراً لغنى وتنوع كتاباتها المنفتحة على كل المرجعيات الفلسفية الكبرى (الماركسية والكانطية والهيغلية والفرويدية...)، ومواكبتها للإشكاليات المعقدة المطروحة في المجتمعات المعاصرة وللتحولات الفكرية والاجتماعية والسياسية لعالمنا المعاصر.
وأهم ما ميز هذا المشروع النقدي هو نقد فكر الأنوار والكشف عن جوانب الخلل فيه، وخاصة بعد تحول العقلانية الأنوارية إلى عقلانية أداتية، أفرزت في نهاية الأمر مظاهر السيطرة والاغتراب والتشيؤ وكل أشكال الاستلاب التي عرفتها المجتمعات الغربية الحديثة. لذلك سعت جاهدة إلى إنقاذ الإنسان وإيجاد نظام اجتماعي أفضل يحقّق حريته وسعادته وهذا عن طريق بلورة فلسفة نقدية اجتماعية. لكن هذا لا يعني أن أفكار مفكري هذه المدرسة ورؤاهم كانت منسجمة ومتجانسة إذ ظهرت بعض الاختلافات الفكرية من حين إلى آخر مما يدل على أن المدرسة النقدية حيوية ومتجددة باستمرار.
هذا وقد دأب مؤرخو المدرسة النقدية إلى تقسيم مراحل تطورها إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى التي تأسست فيها هذه المدرسة في بداية عشرينيات القرن السابق. عندما تجمّع مجموعة من الباحثين وعلى رأسهم ماكس هوركهايمر وفريدريك بولوك ثم ثيودور أدورنو وماركيوز الذين يمثلون الجيل الأول للمدرسة. والمرحلة الثانية ضمت كل من يورغن هابرماس وكارل اتو آبل وألبرت فيلمر. والمرحلة الثالثة التي يعتبر أكسيل هونيث وسيلا بنحبيب أبرز ممثليها.
مشاركات المستخدمين