آبرا كادابرا - بئر الحكمة

كتاب " آبرا كادابرا - بئر الحكمة " ، تأليف : مصطفى اليوسف ، والذي صدر عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

"بالحكمةِ أسسَ الربُّ الأرضَ، وبالفهم ثبت السماوات، الحكمة بَنَتْ بيتها، ونحتتْ أعمدتها السبعة، قدمت ذبائحها، ومزجت خمرها، أرسلت جواريها تنادي: تعال إلى هنا يا جاهل، وتقول لمن يعوزه الفهم: تعال كُلْ من طعامي، واشربْ الخمر التي مزجت، اتركوا الجهالة فتحيوا، وسيروا في طريق الفطنة" (الكتاب المقدس).

طرق كثيرة تؤدي إلى روما، وذلك بحسب استعداد كل إنسان وميوله؛ فالطرق دائماً نسبية، بينما الحكمة ثابتة. هي ترقد هناك في أعمق أعماقنا خارج صناديقنا المغلقة، كملكة النحل التي لا يصلها إلا الأبطال للزواج بها.

الفلسفة تعني حب الحكمة أو الاعتناء بماء الحياة: "الحكمة أشبه بإلماح هائل، إنها لا تنزل إلى ساحة المعارك، إنها تشبه الفن من حيث هي مشردة واستدلالية. وفي توجهنا نحوها نحاول تنقية الإحساس ونزع المادية منها. الفن لغة الإحساسات، سواء أكانت هذه اللغة بالكلمات أو الألوان أو الأصوات. الفن ليس له رأي، إنه محايد كالحكمة، هو لغة غريبة ولطيفة داخل اللغة تستدعي شعباً متفوقاً للمجيء. والفنان الحقيقي هو الذي يرسم أو يصف التجريد والقوى وليس الأشكال كما هي، أي أنه يرسم مفهوم القمر ومفهوم الغابة ولا يرسم القمر والغابة. هكذا هي الحكمة هي مفهوم هذا القمر ومفهوم هذه الغابة.

تتعامل الحكمة دائماً مع القوى والمفاهيم بشكل لاجسماني، حتى لو كان هذا الشكل يتحقق ويتجسد في الأجسام، إذ ليس له إحداثيات مكانية أو زمانية، إنه مطلق، إنه تحليق" (من كتاب ما هي الفلسفة).

إذاً، فإن هذه القوى الحكيمة في الآي تشينغ مطلقة، لا زمن لها، بينما الصور المثيولوجية فهي النسبية التي تجسم تلك المفاهيم؛ (الأم والأب) (العدم والوجود) (المطلق والنسبي) (الفن والعلم). عند تزاوج هذه الثنائيات ينتجُ نصٌّ مثيولوجي من المفاهيم والصور التي يكون زمنها غير موجود، لكنه قابل للتحقق في زمن آت. إنها خليط من المفاهيم المطلقة والصور المتبدلة النسبية والتي تعقد قراناً بين الروح والمادة، اللازمان مع الزمان، واللامكان مع المكان.

الحكمة خليط الخمر الذي أشار إليه الكتاب المقدس، وما علينا إلا أن نفصل خليطها ونفك ألغاز متاهاتها. الحكمة هي التي تقف في المنتصف كالحكم، ومن هنا تطابقَ الاسمان. لو فككنا الاسم لغوياً حسب قاعدة السند في اللغة العربية (حك) (مه) أي: حك المياه، أو التمويه، لوجدنا أن هذا يعني: حك هذه التمويهات وفصلها عن بعضها البعض.

هذا هو صراع الإنسان مع المجردات لتساهم في تغييره وإتمام تحولاته الروحية.