0
لا توجد اصوات
كتاب "البئر الأولى، فصول من السيرة الذاتية"، يقول المؤلف جبرا إبراهيم جبرا في مقدمة كتابه: أنا لا أكتب هنا تاريخاً لتلك الفترة· ثمة من هم أعلم، وأجدر، وأبرع مني في سلسلة ووصف أحداث العشرينات وأوائل الثلاثينات في فلسطين· ولا أنا أكتب هنا تاريخاً لأسرتي، لأن ذلك شأن آخر، ولا أزعم أن لديّ القدرة عليه· ولا أنا أكتب تحليلاً اجتماعياً لبلدة فلسطينية كانت يومئذ صغيرة، لا يتعدى سكانها خمسة آلاف نسمة، إن لم يقلّوا عن ذلك، ولا تتعدى مدارسها الطور الابتدائي من التعليم الذي تتحكّم بمعظمه الأديرة والكنائس، وهي اليوم مدينة ذات شأن اقتصادي وسياسي، يقارب سكانها مئة ألف نسمة، وفيها مدارس عديدة، وفيها جامعة يتخرّج منها سنوياً عشرات الطلبة·
إن ما أكتبه هنا شخصيّ بحت، وطفوليّ بحت· ومقتربي يتركز على الذات إذ يتزايد انتباهها، ويتصاعد إدراكها، ويعمق حسّها، ولا تنتهي بالضرورة حيرتها· ولئلا أنزلق إلى التاريخ العائلي بتفرّعاته (وفي ذلك ما فيه من الإغراء)، آثرت الاستمرار باستقصاء كينونة واحدة تتنامى مع الأيام وعياً ومعرفة وعاطفة، تحيا براءتها، وتتشبّث بها، والبراءة تزايلها· وهي طبعاً جزء من محيطها: إنها بعض تلك البيوت والأشجار والوديان والتلال، بعض الشموس والأمطار والوجوه والأصوات، التي بها تحيا، وبها تكتشف القيم والأخلاق، وتكتشف الجمال والقبح، والفرح والبؤس جميعاً"·
مشاركات المستخدمين