كتاب " البلاغة وتحليل الخطاب "، يتمحور موضوع الكتاب حول إشكالية النسق السيميائي للخطاب الاستعاري، وهو خطاب يفترض فيه أنه منفتح على القراءة والتأويل، لأنه يمثّل خاصية أساسية في اللغة الطبيعية في جوانبها: التمثيلي، الدلالي، والتداولي.
وفهم الخطاب لا يتم إلا بالنظر إلى هذه الجوانب الثلاثة في تفاعلها فيما بينها، لتعلقها بأطراف التواصل الثلاثة: المخاطِب والبنية والمخاطَب. وهي أطراف يفترض أنها متفاعلة فيما بينها، تسعى إلى إتمام العملية التواصلية.
وافتراض انفتاح النسق، يعني انفتاح النص على عدة قراءات وتأويلات، قد يصعب الإلمام بها، أو الحد من انبعاثها. وهو افتراض نعتقد أنه مؤسس انطلاقاً من أن التأويل لا يتعلق بالقارئ فقط، وإنما يتعلق أولاً بالكاتب (المخاطب)، لا لشيء سوى لأنه يقوم أولاً بعملية تأويل لأشياء الواقع المشار إليه من خلال اللغة، وتتم العملية التأويلية خصوصاً عندما يتجاوز المخاطب رصد المعاني المألوفة، والمعطاة قبل عملية الكتابة إلى الدلالة التي تبنى انطلاقاً من رصد علاقات مختلفة بين أشياء واقعية (مرجعية)، قد لا تبدو واضحة للإنسان العادي، فيبدو له الواقع واللغة التي تمثله عبارة عن رموز سريالية، تتجاوزه فيتجاوزها، لكنها مزية متأتية للكاتب الذي يطوع نظام اللغة ومعها أشياء الواقع، فيربط فيما بينها لينسج من خلالها قطعة صغيرة من هذا العالم تسمى نصاً، وهي قطعة لا يمكن في أي حال من الأحوال النظر إليها منفصلة عن عالمها. والنص تمثيل لتفاعل ذات الكاتب مع أشياء العالم، يبدو وفقاً لهذا المنظور منفتحاً على قراءات متعددة، نظراً لانفتاحه الممتد على مساحات وأشياء كثيرة، وفق نسق محكم.
وعليه فافتراض هذا الانفتاح في الواقع الذي يعد ـ وفق هذا ـ بنية نصية كبرى، هي أصل كل البنيات النصية، الفرق بينهما أن البنية الكبرى تومئ إلينا بدلالاتها الكامنة فيها، من خلال علامات سيميائية غير تمثيلية، أو الأحرى لا يمكننا التحكم في تمثيلها، في حين أن البنية الصغرى تعتمد نظاماً سيميائياً خاصاً، يبدو التحكم فيه ممكناً، نظراً لتميزه بمجموعة خصائص تجعله يتبوأ صدارة الأنظمة العلامية الأخرى، لأنه النظام الوحيد الذي يمكنه التعبير عن كل الأنظمة الأخرى، التي تلعب دور المرجع المشار إليه.
مشاركات المستخدمين