كتاب " النقد الثقافي من النسق الثقافي الى الرؤيا الثقافية " ، تأليف عبد الرزاق المصباحي ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
ما القيمة المضافة لمشروع النقد الثقافي في المشهد النقدي العربي الحديث؟ وهل إعلان موت النقد الأدبي واتخاذ النقد الثقافي بديلاً منهجياً عنه كافٍ لتحقيق طفرة في هذا المشهد؟ وإلى أي حدّ تمكًّن النقد الثقافي من التأسيس لأدوات نقدية قادرة على استكناه المضمرات النسقية للخطاب؟ هل تستطيع الأداة النقدية الثقافية، وهي تؤسس نقلتها المصطلحية والإجرائية، ادعاءَ الانفلات من ربقة الأنساق الثقافية؟ ثم كيف تلقى المشهد النقدي العربي مشروع النقد الثقافي؟. من زاوية أخرى، هل بمقدور مصطلحي (الرؤيا الثقافية والبليغ الثقافي)، اللذين تستسعفهما هذه الدراسة، تقديمَ مقترب ثقافي للنص الشعري يأخذ بالاعتبار خصوصيته المضادة للتنميط والحدّ المانع؟
إن النقد الثقافي نشاطية نقدية غايتها تفكيك الأنساق الثقافية المضمرة وفعلها المضاد للوعي وللحس النقدي، في سعيها إلى إعادة إنتاج قيم التمركز والنسخ والاحتواء القسري، والمتسربة بوساطة أنظمة ثقافية متحكمٍ في غاياتها ومراميها. والثقافة هنا بمعناها الأنثروبولوجي التي تعني، كما عند كليفورد غيرتزGeertz ، إنتاجَ آليات الهيمنة والإخضاع "بإسقاط سماتنا الذاتية على (الغرباء) حتى يتحول الآخر إلى صورة مستنسخة من الأنا" (1) ، وليس، فقط، مجموع الأعراف والعادات والتقاليد، وهو ما يوازي مفهوم المؤسسة الرسمية التي تتحكم في الخطاب ورعية الخطاب، وتستهدف إخضاع المخالف وإسكاتَه وتدجين المعارض وإلجامه عن طريق تنميط الخطاب ضمن تراتبية معينة للتحكم، دون وعي من المستقبِل الثقافي، في طبيعة التفاعلات التي ينفرز عنها الصراع بين الأفراد والطبقات مع المؤسسة الرسمية التي تسيطر عليها النخبة. فالنقد الثقافي يقدم نفسه بوصفه خطاباً نقدياً يحتفي بالاختلاف والغيرية ويناهض أشكال التنميط والتدجين أو "قبحيات الخطاب" التي لم يستطع النقد الأدبي في كل تاريخه الطويل أن يسائل حركيتها القاتلة، والمتملكة لبنيات خطاب متنوعة، إبداعية وفكرية، بسبب من العمى الثقافي الشامل الذي خدّر أدواتِه نتيجة خضوعه للاستهلاك الجمالي دون نقد متعته أو تقويضها.
لعلَّ هذا هو طرح الناقد السعودي عبدالله الغذامي منذ كتابه الذائع (النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية) المتضَمِّنِ مشروعَه في النقد الثقافي باعتباره بديلا منهجيا عن النقد الأدبي الذي أعلن الغذامي موته في ندوة حول الشعر عقدت في تونس سنة 1997، واضعاً بذلك المشهد النقدي العربي في حمأة صراع جديد بين مناهج النقد الأدبي ونظرية النقد الثقافي كما يتمثلها. والصراع النقدي أمر صحي يسعف في تحريك المياه الراكدة وإثارة السؤال النقدي القلق الذي لا يركن إلى الأداة النقدية اللوغوسية الثابتة والإبدالات السكونية، مما هو قمين بإحداث قطائع إبستيمولوجية وإجرائية.
مشاركات المستخدمين