بساتين الكلام - محاورات في الفكر والأدب

ليس خلعا للأبواب المفتوحة أن نزعم أنّ الفكر البشري إنما يتطوّر بتلاقح الأفكار وتجاورها واعتراكها واختصامها. ولا يؤدي الفكر الأحادي إلا إلى ترديد الجاهز وتكرار الموجود، أمّا إنتاج المستطرَف وتوليد الجديد، فيكون بالتقاء أكثر من طرف على صعيد الحوار وما يفتحه من آفاق تجعل السائل والمجيب كليهما في ضفاف المحاولة الدائمة لكشف المخبّإ ونشر المطويّ وحلب المستخلّص من الأفكار والرؤى. وقد رأينا أن نجمع طائفة من المحاورات التي التمسنا فيها عند إجرائنا لها كلّ طريف في رأي المحاوَر وكلّ جديد في فكره. وطلبنا أن نقف على حقائق أو على توضيح لقضايا لم تكن، كذلك قبل إجراء المحاورة.
قد تكون قامات المُحاوَرين غير متماثلة، وأنّى لها أن تكون كذلك ! ولكن ذلك لا يعني أنه المثل السائر: يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، غير صحيح. لذلك لم نر عيبا أن نحاور – إلى جانب أصحاب المشاريع والأقلام الشهيرة – باحثين ونقادا وجامعيين ما زالوا في طور إثبات ذواتهم، ويجد القارئ المتيقظ بيسر علامات ذلك في صلب المحاورات، نترك له أمر الوقوف عليها. وكان محاورونا من الذين يعملون في حقول شتى من الفكر والإبداع: الفلسفة والنقد الثقافي وعلم الأديان وتحليل الخطاب والحضارة ونقد الشعر والإنشائية والسرديات، ... ولعلّ في هذه الإضمامة من المحاورات ما ييسّر مزيد الاقتراب منهم ويشجّع على قراءة كتبهم وأعمالهم، لمن لم يفعل بعدُ، أو يسهّل بعض غوامضها لمن بادر بقراءتها. وأتوجه بالشكر في نهاية هذا التقديم إلى كلّ المحاوَرين، فقد ساعدوني، جميعهم – دون استثناء- في جمع هذه المادّة، التي لم تكن ثريّة إلا بأفكارهم، ولم أفعل إلا أن أثرت فيهم بعض الشجون، فانقدحت في أذهانهم الأفكار...