على حين ميسرة

"إلى حين ميسرة" للمبدع هشام الأخرس؛ أكثر من مجرد كتاب؛ فهو ملحمة فكرية يمارس فيها الكاتب طقوس الكتابة بالتمرد على المألوف والتجرد من العاديّة؛ ليقدم للقارىء صنفاً أدبيّاً فاخراً يحتاج لمخزون هائل من الثقافة واللغة والإطلاع.
فالومضة الساخرة نص شديد الكثافة واسع المدار، لا يشبهه إلا الثقب الأسود؛ يمتلك القراء بكافة مكوناتهم الثقافية، ويعتمد على إيصال الفكرة بأسهل الطرق على القارىء وأصعبها على الكاتب، لحجم المجهود الذهني الذي ينفقه أثناء الكتابة .
في هذا الكتاب يُفرد "هشام" لكل موضوع مقالاً كاملاً من الوميض، تبان فيه حِرفته الرائعة في التنقل من ومضة إلى ومضة دون أن يشعر القارىء بأن الموضوع نفسه؛ فلكل ومضةٍ أسلوب مختلف وبناء مختلف وفكرة مختلفة ، ولكل موضوع شجونه وهمومه بين السطور.
أما المفارقات؛ وهي المكون الأساسي في بناء الوميض الساخر؛ فقد ركز الكاتب على متانتها أيّما تركيز؛ فلا يكاد القارىء ينتهي من الضحك من المشهد حتى تنتابه رغبة جامحة بالبكاء على الواقع، ولا يضيّع فرصة التمتع بالومضة مرّات عدة رغم كمية الألم المختزنة فيها.
فمن يُهدي كتاباً إلى البؤساء من قاع المجتمع هو لا بد فنان يجيد الرسم بقلمٍ مكسور، يسبر غور الصور العميقة والمشاهد الدقيقة سعياً لإمتاع قرائه واحتراماً لذائقتهم.
يختتم الكاتب إصداره ببعض القصص القصيرة مستعرضاً فيها جانباً آخر من قدرته الفكرية والإبداعية، ليقدم لقارئه منتجاً عالي الجودة يصلح للقراءة بتكرار قلّما يكون.

من مقدمة الشاعر
نوح عبداللطيف عياصرة