أنت هنا

قراءة كتاب هواجس أسير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هواجس أسير

هواجس أسير

كتاب "هواجس أسير" للكاتب الأسير كفاح طافش، يعد نموذجا فريدًا وجديدًا لأدب السجون، حيث أنه استطاع تحطيم كل المحرمات "والتابوهات" التي يخطر الحديث عنها في أدب الحركة الأسيرة الفلسطينية، ولذلك فهو إصدار يستحق القراءة والتحليل , 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 3
إن كان مفهوم الرجولة كما يريدون فحولتك وقدرتك الجنسية، فلا أعتقد أن السجن يمسّها بشكل عام، فأنت هنا تصاب بجوع جنسي لدرجة التوحش، وهذا هاجس سأطرح به هنا، فالرجولة أن تحافظ على إنسانيتك أكثر من أي شيء آخر! وهنا من يستطيع؟.
 
في استمرار النقاش لما لا يصح نقاشه من شعارات ضقت بها وبسماعها، شعار الرئيس الراحل أبو عمار حين قال "إن خيرة أبناء شعبي في السجون". لو أنك تعاد لتبعث حيًّا من جديد على هذه البقعة المعزولة عن الحقائق بزيفها، ستكتشف أن كلامك منافٍ للحقائق، وأن هناك الكثير من أبناء شعبك الموجودين في السجن حثالة هذا المجتمع  بل أرذله،. في حالتنا العربية النضال يعطي - فقط - شهادة أخلاق وبراءة ذمة عن الوساخة والوضاعة؛ إن السارق حين يسجن يبقى سارقًا، والمنحرف أخلاقيًا وجنسيًا كذلك والعميل- أيضًا- والكذاب... وكلّ هذه الأنواع من البشر لن تتغير لمجرد رخصة الوطن التي يصكها الاحتلال لمجرد آنَ اعتقال أحدهم. لذلك، سيبقى السجن مكانًا مجتمعيًا يحمل في ثناياه آلاف البشر من الفئات كلها. أعرف أن هذا الكلام لن يعجب الكثيرين هنا، لكن في لحظة من اللحظات تقرر الاعتراف، ولا أريد أن ينتابني أي ندم لذلك بدأت الكتابة.
 
للإنصاف- أيضًا- لا بد من الإشارة أن هذا الواقع المأساوي يحمل كذلك قصصا ومناضلين يخطون التضحية والمعاناة ملاحم تستحق أن نسجلها ونؤرخها، لكي لا يقال عني بأنني سلبي وسوداوي، مع قناعتي أن كل ما سجل من واقع هنا هو المشرق والمشرف فقط، ولم يتطرق أحد لسواد السواد هنا، سمعت في إحدى الفضائيات تعليقًا عابرًا أن السجون الإسرائيلية فنادق! سأعتبر أن الجهل فتك بمن عبّر عن ذلك؛ فلو تبرع للوطن بيوم واحد، وعاش هنا 24 ساعة سيعرف أن هذه الفنادق أوهام تأكلها أدمغة التافهين الذين يعرفون الوطن من خلال نشرات الأخبار، وكل ارتباطهم به عبارة عن شعور حزن عابر لمشهد من الشهداء سقطوا بفعل آلة القتل الصهيونية، أسوأهم يتعرف على المواطن عبر تأشيرات البنك الشهرية التي تؤشر دائما لزيادة رصيده، وكل زيادة للرصيد المالي تقلل رصيد الانتماء لديه، الملايين المشردون في أصقاع العالم لاجئون، نازحون...أيّ اسم يتفق عليه بفعل الإنسانية المبتورة في العالم.
 
أمّا السجن فهو يحمل صفحة أخرى لواقع رسمٍ بتضحيات الشهداء ودمائهم وجوع الآلاف في معارك "الأمعاء الخاوية" لكي يحققوا ولو جزءًا بسيطًا من إنسانيتهم عبر انتزاع حقوقهم التي كفلتها الشرعية الدولية، قد يقول قائل: أيّ عقول هذه تضع التلفاز أو سخان الماء وحتى السرير والفرشة والملابس في ميزان الجوع والحياة... ؟إنها تفاهة ووضاعة لدرجة عدم احترام إنسانيتهم، اسمحوا لي أن أعيد ضبط شعور من يقولون ذلك إنسانيًا، إن التلفاز والسخان... الخ ليست المعادل للحياة ولكنها معادل الكرامة؛ فإن خيرتنا بين الكرامة والحياة... سنختار الكرامة، مع أن هذا الخيار خيار الأغلبية في السجون، لكنه ليس خيار الجميع؛ فهناك من يساوم على كرامته بالحياة والأكل والشراب، فأصبح هذا الواقع أقرب إلى لخردة عفت عليها حكايات المجد والصمود الأسطوري، فسيطرت هذه الفئة على مقاليد الأمور هنا، وأصبحنا نشعر- هذه الأيام- أن الكرامة شعور برجوازي في السجون ، لكن هذه الحالة ليست مؤبدًا نرزح تحته دون إمكاناتٍ للتغيير.
 
سيقودني هذا الاعتراف بالحقائق كما هي إلى متاعب كثيرة أهمها أننا مجتمع يحترف قلب هزائمه انتصارات، فنغدو باحثين عن الوهم في الوهم دون محاولة  قول لقول الحقائق، من يجرؤ على ذلك يكن عميلاً للامبريالية العالمية، متواطئًا مع الاحتلال وفي أدنى التهم مهزوم من الداخل.
 
اعذروني هنا،! لقد قررت مسبقًا عدم ترك السياق الزماني والمكاني يسوق تجربتي هذه، عفوية ما كان يختلج النفس من كل هواجسي ألقيها دفعة واحدة،؛ قد يحدث عطب هنا وآخر هناك، وقد تتنازع وجهات نظر عن مُكْنة العلاج بهذه الطريقة لكنني أبشركم بأنكم ستجدون السجن هنا بين ظهراني هذه الصفحات بطريقة جديدة، تمدّون أيديكم وتتلمسون المعاناة والأعطاب الإنسانية دون أرقام ودون تهويل وكذب... فقط ستلملمون شظايا إنسانيتي من كلّ هذا وإن حاولتم إعادة ترتيبها... أشكركم مسبقًا، لكن أعتقد بأن أشباه الإنسان الذي يخط هذه الكلمات قد فقد الكثير ليعود هو... هو؛ فالهزائم هي بمثابة عودعلى بدء دون مراجعات ولا حتى استخلاصات للعبر، أنا للأسف مصر على هزائمي وهواجسي هذه... فالوطن محراب وجودي في هذه الحياة. وإلى هذه اللحظة لا أعتقد أنني جاهز لأغير نمط عبارتي الوثنية، ليكون هذا هاجس هواجسي الأسيرة.

الصفحات