رواية "حديقة الأموات" الثالثة للأديب شحادة، تدور أحداثها حول رجل مسيحي يدعى فايز الحلاق، وهو في الستين من عمره، يغادر مدينته الناصرة بعد اكتشافه لخيانة زوجته وملاحقتها له بواسطة عشاقها، ليقيم في مقبرة إسلامية قديمة في مدينة القدس، يحاول أثناء وجوده في القدس
أنت هنا
قراءة كتاب حديقة الأموات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
كان يسير الهوينا ويحادث نفسه , وهو عائد ٌ إلى غرفته العتيدة في المقبرة الكبيرة .....
هل أنا ما أنا ؟ أم ظـِل ٌ لما كنته ؟ أم غبارُ سفر ٍ علق على هامش الحياة وتتطابر مع هبات الريح العاتية ؟ هل بعت ُ الماضي ؟ أم هو الماضي الذي باعني , وأصبح علي َّ أن أبحث عن حقيقتي من جديد ؟ ولنفرض بأني ما زلت أنا فايز الحلاق ؟ هل يجب علي َّ وقد أصبحت ُ على أبواب الستين ,أن أواصل العمل الجسماني كي أستطيع العيش بكرامة ؟ وهل بقي َ عندي كرامة ؟, بعد ضياعها مع آخر عاصفة ٍ صحراوية ٍ هبت على حياتي , فأصبحت كريشة ٍ في مهب الريح .. لولا بعض عزيمة ٍ , وبعض تمسكٍ برغبة ِ الحياة, كتمسـُّكِ الغريق بقشة ِ النجاة .. وبما إني قد قرَّرَت ُ مواصلة الحياة فعلي َّ مواصلة النضال , كقائد ٍ عسكري ٍّأعطى أوامره الأخيرة ِ لجنوده ِ , بمواصلة المعركة ِ حتى َّ آخر طلقة ... علي ّ أن أواصل الحياة حتـَّى يقرَّرَ الله ُ نهايتي , كغيري من البشر . والحياة ُ تعني الكرامة ُ أولا ً , وأن تشعر بوجودك ثانيا ً , وثالثا ً إنه ما زال لديك بعض أعمال وبعض أقوال يجب أن تكملها وتنهيها , والأهم من هذا وذاك وأنه ما زال لديك الكثبر من الآمال لم تحققها بعد .. هذه الأمور تحتاج إلى المال لتحقيقها , هذا العنصر الذي اخترعوه ُ لإذلال البشر , وتقسيم الدول والعالم كلـُّه بين غني ٍّ وفقير , والغنى يعني القوة , والفقر يعني الضعف ...هز َّ رأسه قليلا ً وتابع الحوار مع ذاته المتململة .... يجب علي َّ تأمين هذا المال ُ , كي أستطيع العيش بأمان واحترام وكرامة .. عدنا إلى الدائرة ِ الأولى , كثور ِ "الحنانة " يدور ويدور ُ وهو َ ما يزال ُ لا يبرح ُ مكانه ُ , فما العمل ؟ مخصصات "النخوت " - النقص - من التأمين القومي ,بالكاد تكفي ... ولكن ألا تكفي السنوات التي عملت فيها ,كما تعمل النملة أو الدابة , دون كلل ٍ أو راحة, لتؤ مـِّن لي حياةً هادئة ً وكريمة ً ؟ هِه ْ ؛ لو كنت ُ أعمل موظفا ً في أحد البنوك , أو معلما ً أو أية ِ وظيفة ٍفي إحدى الشركات , وأنا جالس طول الوقت بتراخ ٍ وكسل , واضعا رجلا ً فوق رجل ٍ , لكان معاش التقاعد الذي سيضاف إلى مخصصات التأمين سيكفيني , حتـّى إني أستطيع أن أشتري سيارة ً صغيرة ً متواضعة ً ,تساعدني في تنقلاتي وفي نزهاتي أيضا ً , هِهْ ؛ ما هذه الأفكار التي تنتابني ؟ أيحق لي أن أفكر َفي مثل هذه الأمور وأنا بعيد ٌ عن مدينتي التي و ُلدت ُ وعشت ُ فيها ؟ غريب ٌ أنا في هذه المدينة ِ العظيمة ...كالسندباد , وتائه ٌ مثل عوليس .. لا ..لا ..لا يجب أن أكون متشائما ً كبوم , فها قد أصبح عندي بيت ,ـ إن كنت أستطيع أن أ سمّي المكان الذي أسكنه بيتا ً ـ كما إني صرت أعمل ــ غير مهم نوع العمل ــ بائع َ جواربٍ مستقل ,عمل ٌ محترم ٌ يقيني شر ّ العوز ...ألم يقل المثل إعمل في النفايات , ولا تكن نفاية ..
هكذا كان فايز الحلاق يكلم ُ نفسه ُ, وهو َعائد ٌ إلى ركنه المعهود , في المقبرة الكبيرة الواسعة الأرجاء , كساحة ِ الميدان ..