رواية "حديقة الأموات" الثالثة للأديب شحادة، تدور أحداثها حول رجل مسيحي يدعى فايز الحلاق، وهو في الستين من عمره، يغادر مدينته الناصرة بعد اكتشافه لخيانة زوجته وملاحقتها له بواسطة عشاقها، ليقيم في مقبرة إسلامية قديمة في مدينة القدس، يحاول أثناء وجوده في القدس
أنت هنا
قراءة كتاب حديقة الأموات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
أخذ يسير كالدراويش , يتمايل ببطء ٍ و يدندن ُ بلحنه الشعبي ّ المفضل "يا رايح عالشام سلم عالحبيب " وهي َأغنية ٌ من جملة الأغاني التي كان أبوه (رحمه الله) يرددها هي َ وغيرها من الأغاني الشعبية مع ( شلة ) أصحابه كل مساء ٍ تقريباً , بعد انتهاء العمل في محلقة ِ أبيه .. كانوا يشترون بضع حبات ٍ من "الخيار والبندورة " , مع "بطحة عرق".. يشربون العرق و"يمزون " على شرائح الخيار والبندورة , وفي بعض الأحيان ,يكون أبوه ُ قد جلب معه ُ من البيت قطعة ً من "الجبنة البلدية" أو"كدرة لبنة " تضاف إلى "المازة" فتحلو الجلسة أكثر , كان أبوه عازفا ً ماهرا ً على آلة ِ العود , يعزف ويغني في هذه الجلسات , والأصحاب يغنـُّون معه من الأغاني التراثية والشعبية , قلوب نظيفة بدون مشاكل ٍ أو تعقيدات , وحياة متواضعة بسيطة , كل ِّ واحد ٍ منهم هادئ ُ مرتاح , كانوا يتابعون جلساتهم حتـّى تفرغ "البطحة " فيتفرقون .. كل ٌ إلى بيته ِ ,كرهبان الدير ِ كل ّ ٌ إلى صومعته , وهم في أسعد حال , ويتابعون الغناء بأصوات ٍ منخفضة حتـّى يصلوا إلى منازلهم .
***
كانت الشمس قد أخذت تستعد للرحيل بعد تعب النهار الطويل ... كعامل ٍمتمرس ٍ أنهى ساعات عمله ِ , تـَعـِبا ً , ويرغب في الأسترخاء والراحة ...ِ حيث عَبَرَتْ(الشمس) سماءَ المدينة
من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب , وكانت بعض الخيوط الحمراء تتحرك مع زحف الشمس
نحو المغيب , كأنها ضربات فرشاة رسـّام ٍ ماهر , أو ربما خيوط ٌ من دماء الشمس نزفت منها , خـِلال رحلتها النهارية ــ يا لهذا الكون العظيم , ويا لهذا الخالق الأعظم ...كل شيء ٍيسيرُ ويتحرك بدقة متناهية ٍ لأن أقل خطأ في هذا النظام سيجعل الكون يتداخل بعضه ِفي بعض , فإما أن ينفجر , أو يتلاشى , وعلى كلا الحالتين لن يبقى هذا العالم , ولن تبقى هذه الملايين من البشر .. إنها نهاية ُ العالم كما هو مكتوب في الكتب السماوية ...هكذا بقي يتابع أفكاره و يحدث نفسه أيضا ً , و كانَ الناس ُ قد أخذوا يتأهبون للعودة ِ إلى بيوتهم بعد ساعات ٍ العمل الطويلة ,
مثل الشمس تماما ً ... دون أن يلتفت أو يهتم أحد به , وبأفكاره التي لا تنتهي ...