كتاب "مملكة النفاق- (من نكبة الحجاز إلى نكبة فلسطين)"، يتناول فترة مصيرية في تاريخ العرب الحديث، قد تكون مجهولة بالنسبة للكثيرين، حيث وُضعت الأسس التي سيقوم عليها بنيان التبعية والنفاق إلى يومنا، من أجل إحكام السيطرة على العالم العربي والإسلامي (وعلى فلسطين
أنت هنا
قراءة كتاب مملكة النفاق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
القصة من أولها
ومسرحها الدولة العثمانية في مواجهة اوروبا, اواخر القرن 19.
على امتداد القرن التاسع عشر كانت سياسة الدول العظمى بشأن "المسألة الشرقية" تتراوح بين اتجاهين متوازيين:
اتجاه يرغب في الابقاء على سلامة اراضي الدولة العثمانية وتماسكها, كضمانة للسلامة في اوروبا. وهو ما عبر عنه اللورد اللنبورو (Ellenborough) بقوله: "ان الامبراطورية العثمانية قائمة ليس لصالح الاتراك انفسهم فحسب, بل لصالح اوروبا المسيحية, وليس بغية المحافظة على حكم المسلمين بقدر ما هو لانقاذ المسيحيين من حرب لا يمكن تحديد الغاية من شنها ولا معرفة عواقبها والزمن الذي ستستغرقه هذه الحرب".(1)
من ناحية اخرى, كان هنالك اتجاه يلح على التصفية وينادي بحسب الاحداث, للاسراع في النهش وتقسيم الغنائم ومناطق النفوذ, ووقفت روسيا على رأسه.
وعلى كل حال, اعتلى السلطان عبد الحميد خان عرش الحكم, (1909-1876) في وقت تبلور فيه اجماع القوى الاستعمارية بدرجة أو بأخرى على تبني هذا الاتجاه الطامع في انهاء "الرجل المريض" وتقطيع اوصاله..
وفي دخان الفتن المدبرة التي اندلعت ضد مسيحيي الشام وجبل لبنان وأعمال العنف التي كانت تمور في انحاء البلاد مثل ثورة اليونان وثورات البلقان, التفّ الرأي العام في اوروبا ضد ما سمي ب(وحشية) العثمانيين والدين الذي يعتنقونه.. واضحى الاسلام في نظر الكثيرين دليلاً على الطغيان وعدم الكفاءة.. وانتظم القساوسة والليبراليون والعلمانيون والمحافظون معاً في مسيرات غضب تطالب بالانقضاض عليهم واخراجهم من حدود اوروبا وكسر شوكتهم.(2)
في هذا الاطار ايضاً بدأت تتعالى الاصوات المنكرة لوجود فلسطين وبيت المقدس تحت سيطرة "المحمديين" الذين"لا يرون أبعد من مبادئ الاسلام الضيقة"*.. وتقدم سفير انكلترا في اسطنبول بمذكرة الى الباب العالي يتوسط بها لصالح "مجموعة من اليهود الذين يودون السكن في برية الشام".. وختم طلبه بقوله : "وباية حال, فاني اريد رداً قاطعاً"!!
من هذا الباب, وبشكل متمم, أخذ يتشكل في الغرب ذلك التيار العريض المؤثر والداعي لتوطين اليهود في دولة تكون "قاعدة للحضارة الغربية في مواجهة الهمجية الشرقية".. وقد جاء هذا التصور الذي جاء يبشر به هرتسل منسجماً تمام الانسجام مع ادبيات تلك الفترة وما قبلها ومع رياحها المشحونة بتوقعات قرب مجيئ المسيح المنتظر. (وكمثل من بين فيض من الامثلة, يمكن الاشارة هنا الى كتاب القسيس الانجليكاني وليم هشلر (اعادة اليهود الى فلسطين) والذي صدر قبل كتاب هرتسل المعروف بعامين, وفيه تحدث عن حتمية وضرورة عودة اليهود الى فلسطين طبقاً لنبوءات العهد القديم.)(3)
________________________
*ذلك في رأي عبر عنه لاحقاً (ماينرتسهاجن) كبير الضباط السياسيين في جيش اللنبي, كونه يمثل التيار السائد (وروح الغرب) من قبل ومن بعد.