أنت هنا

قراءة كتاب الإباضية نشأتها وعقائدها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإباضية نشأتها وعقائدها

الإباضية نشأتها وعقائدها

كتاب "الإباضية نشأتها وعقائدها"، فرقة «الأباضية»، والتي يُجمع المؤرخون على أنها إحدى فِرَق الخوارج، ولكن الأباضية يعتبرون أنفسهم ليسوا بخوارج، وإنما هم فرقة مستقلة، مما كان دافعاً لي في الكتابة، في هذه الفرقة نشأتها وعقائدها، ليظهر لنا مدى التوافق والاختلاف

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
الأمر الثاني: أن ما وقع من اختلاف بين المسلمين يعتبر شراً بالنسبة للاختلافات التي حدثت حول بعض العقائد الدينية والسياسية، ولقد روى الإمام البخاري في صحيحه، عن زينب بنت جحش أنها قالت: استيقظ النبي ﷺ محمراً وجهه يقول: «لا إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب» (7)، وكأن النبي ﷺ يشير بهذا المعنى الذي ينطوي عليه هذا الحديث، إلى ما سيلحق بالمسلمين من خلاف بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
 
إن أول بذور الخلاف الذي نشأ بين جماعة المسلمين، يرجع إلى منافقي هذه الأمة في زمن النبوة والرسالة، حيث لم يرضَ هؤلاء بحكم النبي ﷺ ، فيما كان يأمر به وينهى. فقد سألوا عما مُنعوا من الخوض فيه، وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز الجدال فيه، ومن ذلك، ما كان من حديث (ذي الخويصرة التميمي) عندما قال لرسول الله ﷺ : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل - وكان الرسول ﷺ يوزع الغنائم بين المسلمين في إحدى الغزوات - فقال ﷺ : «إن لم أعدل فمن يعدل؟» فعاود اللعين يقول: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله.
 
وذلك يعتبر خروجاً صريحاً على النبي ﷺ ، فإذا كان من اعترض على الإمام الحق يعتبر خارجياً، فإنه من باب أولى يعتبر من اعترض على النبي ﷺ أحق بأن يكون خارجياً، ولذلك قال صلوات الله وسلامه عليه: «سيخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»(8).
 
ويتجلى ذلك واضحاً، في غزوة أُحد حينما اعتذر المنافقون لرسول الله ﷺ ، وقالوا كما حكاه القرآن الكريم: ﴿ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﴾، وقولهم: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِنْكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران:154]، وقولهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [آل عمران:156].
 
فالمتأمل لتلك الآيات يتضح له أن هؤلاء المنافقين بالغوا في عذرهم، وقد حدث هذا في زمنه ﷺ ولكن المنافقين هم المنافقون في كل زمان ومكان، ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء:142]، فيظهرون الإسلام للناس ويبطنون الكفر عليهم، وكان يظهر نفاقهم بالاعتراض في كل وقت على حركاته وسكناته، فصارت الاعتراضات كالبذور، وظهرت منها الشبهات كالزروع(9).
 
ولكن ذلك كله لم يكن ذا أثر بيِّن وواضح في افتراق الأمة بعد هذا إلى فِرَق شتى، يكفِّر بعضهم بعضاً، يضاف إليها بعض الاختلافات بعد انتقاله ﷺ إلى الرفيق الأعلى، وإن كانت تعد اختلافات اجتهادية، فأصحاب الرسول ﷺ على عقيدة واحدة وطريق واحد، ولم يكن أحدهم ليختلف عن الآخر إلا في فهم أوتيه في كتابه الله أو سنّة رسوله ﷺ يعترضه على أخيه، فإن لم يكن عنده ما يدفعه من سنّة أو فهم في كتاب أو سنّة، رجع إلى قول أخيه وتقبله أحسن القَبول، إلا قوماً كانوا يبطنون النفاق، ويظهرون الوفاق.
 
وإذا أنت نظرت فيما اختلفوا فيه، وجدتهم قد اختلفوا في أمور اجتهادية لا يوجب الخلاف في أحدها إيماناً ولا كفراً، بل لا يوجب الخلاف فيها كلها إيماناً ولا كفراً، ووجدت أنه قد كان غرض كل واحد من المختلفين في كل مسألة منها إقامة مراسم الدين وإدامة مناهج الشرع القويم، بل أنت تجدهم قد اختلفوا في بعض هذه المسائل والرسول ﷺ بين أظهرهم لم يفارق هذه الدنيا.

الصفحات