المجموعة القصصية "كان ردائي أزرق" للكاتب العراقي جمال كامل فرحان الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ نقرأ منها: كان عقله مشوشا في تلك اللحظات، متخبطا بين هند وبغداد .. مفكرا بالكراهية، كيف تصنع؟ من أين تأتي وتجيء؟ هل خلقت معنا أم زرعت في القلوب؟
أنت هنا
قراءة كتاب كان ردائي ازرق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
- هل ستخرج ؟
استغربت من سؤاله وقلت:
- لماذا ؟
- إذا كنت تنوي الخروج من الأفضل ترك هويتك الشخصية هنا·
تنفست بصوت مسموع وأنا أحدق بعينيه الضيقتين وقلت:
- لا أفهم ماذا تقصد ؟
- احتياطات سلامة·
- احتياطات ماذا ؟
- أنت لا تعلم كيف تجري الأمور هنا··· أرجوك أعطني الهوية·
كانت يده تنقر على سطح المنضدة بنتوء القلب الخشبي، نقرات خافته، منتظمة أحسستها تنغز في رأسي· أشحت بوجهي عنه وتركته من دون كلمة وخرجت من الفندق·
كانت السماء قد تعكرت بصبغة رمادية، غيوم ترابية انتشرت وحجبت أشعة الشمس· فكرتُ وأنا أقطع الشارع بالهوية وبأوراق الثبوت، وذكرى أيام قريبة مضت·· أيام الجيش والإجازات الدورية وتحاشي الانضباط العسكري· كانت جيوبنا منتفخة، متهدلة من كثرة أوراق ومستمسكات الثبوت· فابتسمت وأنا أخرج محفظتي من جيب بنطالي، وأتأمل هويتي وصورتي القديمة واسمي الثلاثي ومحل وتاريخ الولادة، ثم قمت بدسها خلسة في جوارب قدمي اليسرى· ثم هززت رأسي متذكرا كلمة الموظف: احتياطات سلامة·
وضعت يدي في جيبي سترتي وسرت خافض الرأس· امتد أمامي رصيف شبه خال، ومحال مغلقة، ودكاكين على وشك الإغلاق· فتوقفت منتبها وأنا أحاذي أحد الحواجز الكونكريتية العالية، هالني ارتفاعها وضخامتها·· جدران من الاسمنت تصطف وتتراص مكونه غابة كالحة، شاهقة العلو، غابة تمتد وتتلوى، تحيط وتحاصر الناس والشوارع والسماء· فنما في داخلي إحساس غريب وأنا أجاور تلك الجدران الكونكريتية، شعور عصر أضلاعي ألماً وكآبة ثقيلة·