بدا الطريق القصير بين بيته والمسجد، كأنما هو ميل طويل، مر بمركز الشرطة، استعرض في كل خطوة مئات الصور والأصوات والأيام، الألم يعتصره، تذكر كل شيء عن الطفلة ...
أنت هنا
قراءة كتاب جبل السبع البنات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
الضابط: أريدك أن تفكر يا سعيد في الموضوع جيداً لأن هذا الأمر خطير، وعقوبة الجندي الذي يفقد سلاحه شديدة·
التفت إلى العريف: خذوه للتوقيف·
اقترب وقت أذان الظهر· لملم أوراقه واستأذن من المفتش لعدم تمكنه من مرافقته في ذلك اليوم بسبب أمر ضروري· أمر العريف بأن يتفرغ ليكون مع المفتش لتسهيل مهمته، وتلبية كل ما يطلب من مستندات، أو زيارات تفتيشية·
كاتب الضبط: يبدو أنه لن يعترف·
الضابط ( واقفاً ): لا يهم الآن·· ولكنه سوف يعترف في ما بعد·
المفتش: كم حالة فقد للسلاح واجهتم قبل هذه المرة؟
- هذه السابعة·
- وكم قطعة لم يتم العثور عليها بعد؟
- بندقيتان ومسدس·
كانت منطقة عسير الحدودية، في أواخر الخمسينيات الـهجرية من القرن الماضي، مسرحاً لتهريب المواد الغذائية والاستهلاكية· لكن أخطر ما كان يهرّب الأسلحة والقات و(الحُمِّي) وهو التبغ الذي يستعمل في الشيشة· ولحداثة انضمام الأفراد المحليين إلى الأمن العام، فلم يكن تخلي الجندي عن سلاحه وبيعه حالة فريدة· فقد نشأت سوق كبيرة غير مرئية من أجل ذلك·
كان توظيف الجنود يتم فوراً، عند الحاجة إليهم، من رجال مدنيين ليس لهم سابق تدريب عسكري، ولا استعداد فكري لهذه المهنة· وكان انتماء الفرد منهم إلى القبيلة أكبر بمئات المرات من انتمائه للدولة الفتية الحديثة التوحيد·
أخفى الضابط عن الجميع أنه عثر على البندقية المفقودة في إحدى الأسواق القريبة قبل بدء التحقيق، من أجل أن يتمكن من التوصل إلى الحلقة التي يدور فيها بيع وشراء وتهريب السلاح· كان يريد أن يعرف من هم الأشخاص الذين يديرون هذه اللعبة، سواء كانوا متاجرين أو وسطاء أو مهربين أو مستفيدين· كان يريد أن يعرف أيضاً أين يذهبون بها؟ ومن هم زبائنهم؟ وهل يتخلى الجنود فعلاً عن أسلحتهم أم أنها تسرق منهم؟ وإن كانوا يبيعونها هل ذلك من أجل مبالغ مالية كبيرة، أم بسبب ضغوط قبلية؟
ارتفع أذان الظهر من المئذنة القصيرة للمسجد المجاور للمركز عندما كان يمر إزاءه· نظر إلى أعلى المئذنة ثم إلى السماء التي توسطت الشمس كبدها· أنزل بصره إلى الطريق· لم يره كاملاً بل كان مثل خط أبيض يحف به الظلام من كل جانب· أظلم بعد ذلك كل شيء· أصبح يمشي في الطريق كأعمى لا يرى شيئاً منه، إلا أنه كان يحفظ كل انحناءاته وحفره·