أنت هنا

قراءة كتاب بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

"بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء" مجموعة قصصية للكاتب العراقي نزار عبد الستار، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ ينحو فيها إلى أسلوب مجازي لا يخلو من فانتازيا تميل إلى الواقعية المباشرة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
فهم بسرعة أنني اخجل من أفعالي القديمة المشينة، وأنني لو هاجرتُ مثله لصرت اليوم شخصا مختلفا· أحب الهولندي كثيرا طريقتي في تفسير بغداد، وأخذتُ أكتشف ساعة بعد ساعة أنني أصاحب شخصاً لا يستحق أنْ أخدعَهُ· أظنه راقبني، وأنا أقدم رعايتي المثالية لزهرات التوليب· أعتقد أنه كان بحاجة فقط لتقدير درجة انبهاري، وإذا ما كان جمالها الأبيض قد أصاب قلبي· حكيتُ له قصتي، واعترفتُ أمامه أنني ارتكبتُ حماقاتٍ مدمرة، ورجوته ألاّ يربط تقديري له بحاجتي إلى المال، لكنني كرهت فيه عادةَ أنْ يُمسكَ بمعصمي وهو يتكلم عن نردين· كان ذلك يجعله متورد الوجه، وتفوح منه رائحة ليست بالتأكيد من روعة بيرة Heineken·
 
حين نسير، بعد منتصف الليل، سائبين في الشوارع، هو، وأنا، والكلاب، يحكي الهولندي عن بهجة أن تكون في الحياة امرأةٌ تمسك بكل شيء كي لا تقعَ الفوضى· قال لي إنّها عاشتْ هنا، وكانت تملكُ لوناً لحمياً اذا ما وصلتْه الشمسُ يتوهج كما البرق الذي يتولد من اختراق ملاك البريد غلاف الألوهية متوجهاً إلى الجو الارضي· وإنّ ثمة شيء غير طبيعي في عرق كفها· وإنه لم يكتشف كل خوارقه بعد، لكنه يتوقع أنه اقوى من العسل المخلوط بالقرفة والزنجبيل· واخبرني كيف أّنه كان يعاني تقشراً موسمياً في جلد يديه، وقد شفي منه تماماً حين رتب له الله فرصة أنْ يمسكَ باطراف أصابعها· وأراد أنْ يضرب لي مثلاً فيما كانتْ تفعله به ضحكتُها المتميزة، إلا أنه تاه في الصمت ونسي الامر· وتوقع مني أن أصدّقَ أنه كان يعثر على الأرصفة، وهو يمشي، على الكثير من الدنانير كلما قالت له صباحك ورد، وابتسمت على طريقتها التي تشبه إمالة كأس مارتيني إلى درجة أنْ تسقطَ منه زيتونة خضراء محشوة بفلفل احمر·
 
انتهزتُ قوة إيمانه بها وسألتُه:
 
- أين تتوقع أن تكونَ نردين الآن؟·
 
توقفنا، هو، وأنا، والكلاب عن المشي، ونظر إليَّ مستغرباً، وقد استرد صلته بالواقع:
 
- إنها في كل مكان·
 
كنا احيانا نقع، أنا وهو، في أزمة أننا نبحث عن شيء غير موجود· كان مطلوباً مني أن أجنبه الاحباط، وقد أدركتُ مبكراً أنّ مهمتي تكمن في جعله ينشغلُ بأمرٍ مهم، وقضية مصيرية، وأن ما يجري ليس أكثر من ارادة عليا سخية تريد للهولندي أنْ يشعر بسعادة أنه عاشقٌ لا يهزمه المستحيل، وكان عليّ أن أهبه قدراً كبيراً من الامل·
 
حين أجده غير قادر على تمييز ضجيج سيارات الشرطة، والانتباه لهيمنة العربات العسكرية الأمريكية، أعرف أنه يريد ان يحكي عن نردين· أحب الهولندي مقهى الزيتون حيث يمكن الانفراد بالذكرى خلف سياج أخضر· قال لي إنه لم يرَ الكثير مما تملكه من ملابس، ومجوهرات، لكنه يحب بلوزتها التي باللون الأسود والكحلي، والمليئة بدوائر بيض أكبرها بحجم درهم ما قبل الحروب· كانت تلك البلوزة بلا أكمام، ومفتوحة طوليا بحيث تكشف عن خط تلاصق النهدين· يتورم وجهه من هول الصورة، ويغطس في الصمت على المقعد البلاستيكي الضيق لان بلوزتها التي بين الأسود والكحلي أهم ما في الدنيا، وتستحق منه التوقف عن قول أي شيء آخر·
 
جعلني أعيد التفكير بكل النساء اللواتي عرفتهن· قلت له - ونحن في بار الموعد - إنني ارشّح سوزان لان تكون نردينتي· اعترفت له بأنني كثيرا ما أقع بحب العاهرات· حين أشرب الويسكي أشعرُ بالحزن· قال لي إنه خرج بنظريات عدة بشأن وهم الحب· أردته أن يعلمني هذه النظريات، لكنه رفض، وقال لي:
 
- إن أخبرتك، فإنك لن تستطيع أن تسرق بعد أن أرحل، وستموت فوق غيمة·
 
اشتبهتُ مدة يوم بسيدةٍ تعمل في مكتب الخطوط الجوية التركية· ودلتني معلومة خاطئة أخرى جاءتني من صديقة بتاوية إلى صاحبة بوتيك في الكرادة· انتبهتُ إلى ضرورة أن أغيّر مصادري النسائية، وأنْ أوظف بنات، هاي كلاس، بعمر العشرين يعرفن الأماكن السرية المحصنة في بغداد· كلفت جولييت بأن تبحث لي في نادي العلوية، وفي الصالونات الثقافية الخاصة التي تدار من قبل السيدات، وألاّ تهمل الحفلات التي تقام في نادي الصيد رغم بعده عن الرقعة الجغرافية المخصصة لي· أما لارا، فقد طلبتُ منها التركيز على العائلات الارستقراطية في زيّونة، وبالأخص تلك التي لها جذور في شارع السعدون·

الصفحات