أنت هنا

قراءة كتاب بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

"بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء" مجموعة قصصية للكاتب العراقي نزار عبد الستار، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ ينحو فيها إلى أسلوب مجازي لا يخلو من فانتازيا تميل إلى الواقعية المباشرة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
كان القس زكّو يرى أسّو كائنا يعيش دنيويته بالنيابة عنه· لم يتخيل يوما لنفسه أكثر مما يبدو عليه صديقه، لذلك كانت معجزة عدم القدرة على الموت هي من أهون ما على القس زكّو أن يصدقه، فأسّو، منذ أن ولد، كان يبرهن، بعصمة ملائكية، انه ينمو باتجاه أن يكون معقوفا عن العالم· عاشا نصف عمريهما جارين في قرية بالسهل الشرقي من مدينة الموصل، وحين هاجر أسّو إلى بغداد لكي يدير أربعة مطاعم للشاورمة ورثها عن أبيه تيقّن زكّو، الذي صار قسا وقتها، أنه لن يعاني أبدا من حسرة القلب· كان أسّو حينها يتصرف كقانون صارم وبأرجوانية إمبراطورية· يبدو رثّاً أكثر منه محسناً، وشديد التقيد بالذل حتى انه من كثرة عقابه لنفسه كان الجميع يظنونه خادما في مقر بطريركية بابل الكلدانية، بينما هو بتطوعه الاخلاقي يواسي الفقراء وينشط بهجة الإيمان· وحين كان أسّو يعود من الشوارع مذهولا بنجاته من الانفجار، يعزّيه القس زكّو ببشارة أن تعرف ليلي يوما قيمة هذا الحب، ويكرر له:
 
- اصمد في الألم، فالعالم بحاجة إلى معجزة قلبك·
 
انطوى أسّو بنوني على نفسه مداريا انكساره، وهو يقع يومياً لدقائق مغشيا عليه في انفجار عارض ليقوم بعدها بحياته دون إصابة تذكر· وصل الذلّ به إلى أن توقظه مياه الإطفاء بينما قلبه يضخ الحزن لأنه يثير حنق الشرطة، ويوتّر أعصاب الدفاع المدني· وحده القس زكّو الذي تفهم خيبة أن تكون المعجزة مهينة وفاضحة، ورجاه ألاّ يبالي مادام الأمر يتعلق بذكرى حب جميلة لها قوى عجيبة·
 
رفض مجلس الملافنة طلبات تصحيح نتائج التحقيق ومنح بيجامة ليلي رتبة خارقة، الأمر الذي اضطر القس زكّو إلى تسجيل فيديو مدته ساعة كاملة لتفاصيل النجاة من الموت· أفزعته الحقيقة، وجعلته يشك بنفسه من شدة القسوة التي طبقها على صديق طفولته بغل متقيح، وبتعطش أصيل للتعذيب، ولكنه أثبت بمرئية قاطعة أن أسّو غير قابل للاشتعال، والتكهرب، والغرق، ولا تقدر السكاكين، والمسامير، والمشارط، والشظايا على جرحه، أو إحداث أي ثقب فيه مادام يحمل في جيبه قطعة من بيجامة ليلي·
 
قال له القس زكّو وهو مخذول العقل أمام أول معجزة تصادف ورعه:
 
- لقد أعفاك الرب يا أسّو·· لم تعد مشمولا بامتحانات الخير والشر·
 
ونصحه أن ينسى إثم انه كذب على مجلس الملافنة حين لم يخبرهم بقصته مع ليلي· وعاد ليقول له بكل إكبار، وهو ينهي استراحة أخذها بعد الساعة التي قضاها في انتهاك إنسانيته:
 
- أنت الآن خلاصنا الجديد·
 
لم يكف مكتب الطقوس الدينية عن توجيه الانتقادات إلى بطريركية بابل لفتورها تجاه الخوارق، وكان الكاردينال عمانوئيل دلي يعيد في كل مرة إرسال نسخة من طرد التحقيقات إلى الفاتيكان على أمل أن تتفهم روما مأزق أن تكون رحمة الرب أوسع من تعاسة الشعب·
 
قبل وصول الأب فيديريكو لومباردي إلى بغداد بشهرين قال مدير مكتب الطقوس الدينية في الفاتيكان القس ماركو فريسينا لمجلة توتس توس إن موقع رداء البابا على الانترنت تعرض إلى الركود، وإن أكثر من مئة ألف شخص سحبوا طلباتهم بشأن الحصول على قطع من رداء أبيض يعود إلى البابا الراحل يوحنا بولس الثاني يعتقد أنها ربما تساعد على شفاء المرضى، وأن طلبات الإلغاء مستمرة في الوصول إلى البريد الإلكتروني دون توقف، والسبب قيام شخص عراقي يدعى أسّو بنوني بطرح ألف قطعة من بيجامة حمراء عبر الانترنت تعود لامرأة تدعى ليلي، وأن ثمانين شخصا من الذين تسلموا قطعاً من البيجامة بحجم 4 ملم مربع للواحدة أكدوا في شهادات مدعومة بالادلة قدمت إلى مكتب الطقوس أنهم نجوا من الموت في انفجارات وقعت في جميع محافظات العراق، وأن كنيسة روما بصدد التحقق من هذا، وأنها تدعو المؤمنين في العالم إلى التريث ومساندة البابا الراحل في محنة معجزته·
 
كانت تلك هي فكرة القس زكّو الذي فضّل أن يعطي المزيد من البراهين لمجلس الملافنة كي يضطروا إلى تحديث قناعاتهم والكفّ عن احتقار العصر الحديث· كان أسّو يلمّ أجنحة حزنه مثل نسر أسير· يعصره الذهول من تعاسة مصيره، وكلّما حدّثه القس زكّو عن موت الناس الذين لا يملكون حبّا كحبّه يشيح بوجهه المبلل نحو جهة هامدة· وحين كان يعود ناجياً بروحه ينهمك القس زكّو بنزع الخوف عنه ودفعه إلى الحمام قائلا:
 
- من الإثم ان تعود أنت فقط إلى بيتك·
 
وفي يوم كثير الانفجارات جرّه القس زكّو إلى شاشة التلفزيون ممسكا أسّو من رقبته، وقال بانفعال:
 
- أترى الدماء؟·اجعل ليلي سيدة نجاة الناس· هذا عزاء مفيد للقلب·
 
كانا يتفرجان على مسلسل تركي مدبلج حين نهض أسّو وغاب لدقائق ليعود بعدها حاملا بيجامة ليلي على صليب من أنابيب· كانت غير مكوية وبدانتيلا بيضاء عند الصدر· ركع القس زكّو وتمتم بصلاة من أجل راحة الذين ماتوا قبل الحبّ إلاّ ان أسو الذي صار يتكلم بلسان الربانيين، ويقلّد استهانتهم بالدنيا قال له الجملة الأخيرة، وسكت بعدها إلى الأبد:
 
- معجزة ليلي إنني أحبها·

الصفحات