أنت هنا

قراءة كتاب سور العرب العظيم ما هو ولماذا؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سور العرب العظيم ما هو ولماذا؟

سور العرب العظيم ما هو ولماذا؟

كتاب سور العرب العظيم ما هو ولماذا؟، نحن الآن تحت الحصار، حصار الإرهاب.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
-6-
 
فدساتير وقوانين الأمم تتغير، وتتبدل، وتتعدل من حقبة لأخرى، والأمة التي لا تُغيّر قوانينها وأنظمتها من حقبة لأخرى حسب احتياجات أفرادها المستجدة تتكلس، وتتحجر، وتلقى مصير الاندثار والزوال، حيث تصبح غير قابلة للحياة في العصر، وغير قادرة على الاستجابة لتحديات العصر وشروطه· فهي تعيش في هذه الحال في عصرين مختلفين متباعدين تباعداً كبيراً: عصر داخلي أو جوّاني، وعصر خارجي أو برّاني· عصر داخلي عبارة عن مجموعة من الأحكام والتقاليد الاجتماعية المتوارثة، وكانت سائدة قبل قرون طويلة، وأصبحت تاريخاً يقُرأ للتندر والتفكّه، وليست منهاج حياة، لأن كل حياة في كل حقبة، تضع لنفسها منهاجاً خاصاً بها يُلبي احتياجات الناس الذين يعيشون في هذه الحقبة· فلا حقبة تفرض أخلاقها ومسلكيات ناسها على حقبة أخرى·
 
-7-
 
إذن، نحن الآن واقعون تحت الحصار، حصار الإرهاب· ونقبع وراء سور عظيم، سور الإرهاب والإسلام السياسي، الذي أصبح طاغياً في الشارع العربي والإعلام العربي، بحيث أصبح رجل الدين في العالم العربي، هو صاحب النُطق الأول والأخير، وهو الرجل الأول، وهو في المقام الأول، وصاحب الكلمة الأولى، والخطبة الأولى، والكرسي الأول، وفنجان القهوة الأول·
 
وأصبحت كلمة رجل الدين تُغلق شارعاً، وتفتح شارعاً· وتُغلق جريدة، وتطرد رئيس تحرير جريدة، ومدير محطة تلفزيون أو إذاعة، وتهدد وزراء الثقافة بالطرد والمحاكمة· وأصبح رجل الدين يصدر الفتاوى بقتل المثقفين والشعراء وحرق كتبهم، ودواوينهم، ونفيهم من بلادهم إلى بلاد الغرب، وإهدار دمائهم على شاشات الفضائيات· 
 
وأصبح رجل الدين يقوم بهدر دم تيار كامل من الليبراليين العرب بمجرد فتوى شخصية كما فعل الشيخ السعودي صالح الفوزان· كما يقوم رجل دين آخر بهدر دم تيار كامل من العَلْمانيين العرب ورميهم بالكفر والإلحاد كما فعل الشيخ المصري/ القطري يوسف القرضاوي في كتابه (وجهاً لوجه·· الإسلام و العَلْمانية) ، دون أن يؤاخذ على ذلك، أو يُحاسب من قبل الدولة، أو من قبل الرأي العام، أو منظمات حقوق الإنسان العربية التي من المفروض أن تدافع عن أصحاب الرأي الآخر· ففتوى هؤلاء وغيرهم من رجال الدين لا تُحاسب ولا تُعاقب·
 
-8-
 
وأصبح رجل الدين هو السياسي الأول - نتيجة لقصور وصغر عقل العربي - الذي بمجرد أن يرفع المصحف عالياً، تسقط كل الكتب الأخرى على الأرض، وتُمزق وتُداس بالأحذية· وبمجرد أن يُرفع شعار الإسلام هو الحل تسقط جميع الشعارات العلمية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية·
 
ومن هنا أصبح الإسلام كدين، مهنةً رابحةً تدرُّ على مُتلبّسها دخلاً كبيراً أفضل من دخل مثيلاتها من الوظائف الأخرى التي يقضي من أجلها الطالب سنواته الأربع في الجامعة في كليات الدراسات الإنسانية· لذا، لم تنتشر المعاهد الدينية والجامعات الدينية في العالم العربي كما انتشرت في هذه الأيام· ولم يبلغ عدد طلاب الدراسات الدينية في العالم العربي كما بلغه هذه الأيام· ولم يتسابق الطلاب الخائبون في امتحان الشهادة الثانوية على الالتحاق بالمعاهد الدينية كي يصبحوا غداً من أصحاب الصولجان، وإلى يمين السلطان كما يتسابقون الآن· ولم نجد في العالم العربي هذا العدد الهائل من الدُعاة والهُداة من الشباب ومن الشيوخ، من ذوي العلم الشرعي، وممن تنكبوا العلم الشرعي، كما نجد الآن· ولم يصبح رجال الدين عموماً من الشيوخ والشباب على هذا المقدار من الثروة الطائلة ورفاه العيش كما هم عليه الآن·
 
-9-
 
كل هذا قلناه في هذا الكتاب· بل وزدنا عليه بقولنا بأن كل هذه الصفوف الطويلة من رجال الدين في العالم العربي، وكل هذه الآلاف المؤلفة من العمائم واللحى الطويلة، الذين ملأوا الصحف والفضائيات، والإذاعات، والجوامع، والمؤتمرات، والندوات، والمنتديات، لم تصدر في يوم من الأيام الماضية وحتى الآن، فتوى واحدة لتكفير زعماء وقادة الحركات الإرهابية الذين قتلوا آلاف الأبرياء، وإهدار دمهم، بل هم على عكس ذلك· فقاموا بالمساهمة الفعالة في بناء سور العرب العظيم، لحجب العرب عن العالم، وحجب العالم عن العرب، وذلك بتكفير الآخر، والمناداة بحربه، وبأن داره دار حرب، ومعاداته، وبتهديد مصالحه، وحرق سفنه، وهدم بيوته· كذلك قاموا بتمجيد زعماء الإرهاب· فأطلقوا على رأس الإرهابيين سيف الإسلام، و شيخ الإسلام، و المجاهد الأكبر، وشيخ المجاهدين وراحوا يدعون له سراً وعلانية بالنصر المبين، وسلامة اليمين، وصدق اليقين· ويمتنعون عن إصدار فتوى بإهدار دمه، رغم أنه قاتل، قام بقتل المئات من المسلمين، والمسيحيين، واليهود، والهندوس، والبوذيين، ومن كل ديانات الأرض والسماء الأبرياء، كما نرى ونسمع في هذه الأيام·
 
-10-
 
هذا الكتاب، يحوي عدة فصول ومقالات كلها تصبُّ في هذه المعاني· ولعل الفصل الذي يمكن القارىء أن يعتبره خارج الموضوع هو فصل (الإرهاب والفن) والذي نتحدث فيه عن موجة الغناء والرقص الجديدين، اللذين يقوم بهما شباب وصبايا العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه·
 
ومبررنا لتضمين هذا الفصل في هذا الكتاب، اعتبارنا لهذا الفن الجديد وسيلة من وسائل جذب الشباب والشابات إلى الحياة، وابتعادهم عن الموت والنحر والانتحار الوحشي الذي نراه كل يوم وكل ساعة على شاشات الفضائيات· إن العشرة ملايين مشاهد الذين صوتوا لصالح الفنانة العراقية الشابة والواعدة، شذى حسون في برنامج ستار أكاديمي 4 لعام 2007، ظاهرة مهمة تصبُّ في صالح الحداثة والليبرالية العربية، وهدف قوي وموجع في مرمى الإرهاب، حيث لن يفكر أحد من هذه الملايين العشرة وغيرهم، بالانضمام يوماً إلى عصابات الإرهابيين الانتحاريين المنتحرين مجاناً·
 
ومن هنا، كان اهتمامنا الثقافي والنقدي بهذه الموجة الجديدة من الغناء والرقص، التي تجتاح الآن العالم العربي، والتي هي دون شك موجة حداثية وليبرالية في العالم، ولو أن هذه الموجة قصيرة وناعمة في العالم العربي بسبب غول رجال الدين· وهكذا نكون من خلال الفن قد عانقنا الآخر بدلاً من أن نحاربه، وسالمناه بدلاً من أن نعاديه، وفكرنا فيه بدلاً من أن نُكفّره، وتصالحنا معه بدلاً من مخاصمته· ويكون الفن بذلك قد أصلح ما أفسده الإرهاب، وأطفأ نار الحقد بنور الحب·
 
شاكرالنابلسي    

الصفحات