كتاب "تجربة حياة" تردد الكاتب د. تيسير النابلسي في الكتابة، كما يقول: "على الرغم من حرص عدد من الإخوة والأصدقاء على أن أقوم بتدوين مذكراتي، وكنت أتساءل لماذا مذكراتي؟ وأي هدف أسعى إليه؟
أنت هنا
قراءة كتاب تجربة حياة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
من ملف الذكريات
18/5/1934 - 18/5/2009م
اليوم تُطوى السنة الرابعة بعد السبعين من العمر
ما أريد أن أخطه في هذا الكتاب ليس مذكرات تتسلسل أحداثها ومجرياتها مع التواريخ· هي ليست سرداً مجرداً لوقائع ذات طابع شخصي، وإنما وقفات تأمل ومراجعة اختزنتها على مدى كل السنوات، وفيها شيء في السياسة والفكر، وشيء في القانون، وشيء في الأدب والشعر، وشيء في الدين والذكر، وشيء من تجربة إنسان عاش طفولته وصباه وفترة من شبابه في فلسطين، وعاش حوالي نصف عمره في دبي، وها هو تسرع به الخطى إلى خط النهاية في الواقع المتسارع لهذه الحياة الدنيا·
بداياتي في يافا
لا أذكر شيئاً عن سنواتي الأولى في مدينة نابلس حيث ولدت في عام 1934· انتقل منها والدي للعمل في التجارة في مدينة يافا، وكنت آنذاك دون الخامسة من العمر· وفي يافا افتتح والدي متجراً في سوق الدباسية لبيع الحبوب من قمح وشعير ومواد غذائية بالجملة، وكان الحمالون الذين يقومون بتفريغ حمولات السيارات وتحميلها ينامون في المتجر نفسه على أشولة الحبوب، وكان معظمهم يأتون من منطقة حوران في سوريا، إذ كانت فلسطين ومدن يافا وحيفا التجارية في فلسطين تستقطب العمالة من الدول العربية المجاورة كما هي حال دول الخليج في أيامنا هذه، وكنت أقضي بعض الوقت في المتجر أتسامر معهم· أذكر رقم هاتف المتجر آنذاك وهو 641· كان الاستعمال اليومي للهاتف قليلاً، ولم يكن ليأخذ من وقت الناس وجهدهم وأعصابهم شيئاً يذكر كما هي حالنا اليوم في عصر الاتصالات والجوال، وعصر القلق والاضطربات النفسية· وكان الباص رقم (3) وسيلة المواصلات الرئيسية التي كنت أستعملها بين بيتنا في منطقة العجمي ومتجر والدي في المنطقة التجارية شارع الدباسية قرب مركز مدينة يافا، وشارعها الرئيسي الذي كان يسمى شارع إسكندر عوض، حيث توجد أشهر المحلات التجارية، والتي أذكر منها محلات باتا، حيث كان الحذاء الجيد يباع بمبلغ 99 قرشاً؛ أي أقل بقرش من الجنيه الفلسطيني· وعلى مقربة من مدينة يافا وبمحاذاتها أنشأ المستوطنون الصهاينة مدينة تل أبيب· لم يكن في تلك الأيام رياض حضانة للأطفال كما هي حالنا اليوم، وبالتالي لم يكن رب العائلة يحمل هم مصاريف الأطفال عند إرسالهم إلى الحضانة كما هي حالنا اليوم، حيث يتكلف إرسال الطفل منذ عمر السنتين ما يقارب العشرين ألف درهم، وقد تصل إلى ضِعْف هذا المبلغ في بعض الحضانات الراقية·