كتاب "تجربة حياة" تردد الكاتب د. تيسير النابلسي في الكتابة، كما يقول: "على الرغم من حرص عدد من الإخوة والأصدقاء على أن أقوم بتدوين مذكراتي، وكنت أتساءل لماذا مذكراتي؟ وأي هدف أسعى إليه؟
أنت هنا
قراءة كتاب تجربة حياة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
العودة إلى نابلس 1957-1961م
أنهيت دراستي الجامعية في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1957م، وعدت إلى نابلس أحمل شهادة الحقوق بتقدير جيد، وبدأت أبحث عن عمل لأساعد أسرتي التي كانت تواجه ظروفاً مالية صعبة، فعملت مدرساً لمادة التاريخ في مدرسة إعدادية هي مدرسة الجاحظ، براتب خمسة وثلاثين ديناراً، دفعت معظمها سداداً لديون ترتبت على والدي، الذي اضطر لإغلاق متجره بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي أعقبت الحرب، وكانت رغبتي التي راودتني منذ بداية دخول كلية الحقوق أن أعمل محامياً· فبدأت أتدرب على أعمال المحاماة، وسجلت نفسي كمحام متدرب، واستقلت من التدريس، وأنهيت فترة التدريب التي كانت لمدة سنتين، وحصلت على إجازة لممارسة مهنة المحاماة أمام المحاكم المدنية، وإجازة لممارسة مهنة المحاماة أمام المحاكم الشرعية، وفي الوقت نفسه، كنت أتطلع لمتابعة الدراسة العليا في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، فسجلت نفسي في الجامعة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام· وكنت أتردد من فترة إلى أخرى ولمدة بضعة أسابيع على الكلية، وحصلت على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، وتابعت دراستي وحصلت بعد ذلك على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي في عامي 1959م و 1960م· وعملت محامياً في نابلس لفترة قصيرة، انتقلت بعدها للعمل في البنك العربي، وتدربت لمدة تزيد على السنة على الأعمال المصرفية في فروع البنك في نابلس وعمان وبيروت والقاهرة، ثم تقرر نقلي للعمل في فرع البنك في الرباط بالمغرب، حيث افتتح الفرع عام 1961م، وتعرفت أثناء ذلك على زوجتي غادة، وغادرت معها نابلس إلى الرباط بعد حفل زواج بسيط اقتصر على الأهل· وانطلقنا من مطار قلنديا قرب القدس إلى بيروت فجنيف ثم باريس فالرباط وكان ذلك في نهاية عام 1961م·
عشت في المغرب في مدينة الرباط في بيت صغير في بناية البنك العربي، وفي أثناء عملي في البنك كلفت بإلقاء محاضرات لطلاب في كلية الحقوق في جامعة الرباط، وفي المدرسة الإدارية المغربية لبضع ساعات خلال الأسبوع·
كانت الغربة بالنسبة للزوجة الشابة صعبة، وخصوصاً بعد بداية الحمل· كانت وسائل الاتصال مع أسرتها في نابلس تقتصر على الرسائل، حيث إن الاتصالات الهاتفية بين المغرب والأردن لم تكن متيسرة· وكنا أحياناً نتبادل الرسائل عبر شريط (المسجل)، وحصلت بعد عشرة أشهر على إجازتي السنوية، وعدنا إلى نابلس ومكثت بضعة أسابيع عدت بعدها إلى عملي في المغرب، وتركت زوجتي لتضع مولودها في نابلس، وكانت طفلتنا الأولى سلام، وبقيت زوجتي في نابلس·
عدت إلى الرباط بمفردي عبر رحلة طويلة ابتدأتها على باخرة تركية من بيروت إلى مارسيليا· وفي أثناء سفري تعرفت في الباخرة على مجموعة من الشباب الفلسطينيين القادمين من قرى فلسطين والمتجهين إلى ألمانيا للعمل، وقد رتبت لهم إحدى الشركات الانتقال بصورة غير مشروعة تهريب إلى ألمانيا· كانوا من القرويين الذين لم يغادروا قراهم إلا إلى المدينة، وهم مزارعون لا يعرفون من اللغات إلا العربية بلكنتها القروية الفلسطينية· دفعهم الفقر إلى هذه المغامرة، وكان هذا حال ألوف مثلهم هاجروا بعد نكبة فلسطين إلى كل مكان في هذا العالم، كانوا ينامون في قاع السفينة قرب محركاتها في ظروف إنسانية صعبة جداً، فدرجة الحرارة في المكان لا تطاق· تعرفت عليهم وارتبطت بصداقة عابرة معهم، وقبل الوصول إلى مارسيليا قاموا بتغيير ملابسهم العربية وارتدوا لأول مرة الملابس الغربية البنطال والجاكيت والقبعة، وقد واجهوا مشكلة وضع ربطة العنق، فساعدتهم على ذلك، فبدوا بمنظر غريب غير مألوف، ولكن كان لا بد من ذلك حتى يسهل عليهم المرور ودخول الأراضي الألمانية، وقد أخبروني أن مندوب الشركة التي رتبت انتقالهم، وأخذت منهم كل ما يملكون، وما استدانوه لترتيب إدخالهم إلى ألمانيا،