كتاب "تجربة حياة" تردد الكاتب د. تيسير النابلسي في الكتابة، كما يقول: "على الرغم من حرص عدد من الإخوة والأصدقاء على أن أقوم بتدوين مذكراتي، وكنت أتساءل لماذا مذكراتي؟ وأي هدف أسعى إليه؟
أنت هنا
قراءة كتاب تجربة حياة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
ليال في السجن
دخلت السجن ثلاث مرات، الأولى في بداية عام 1963م لمدة شهر لأنني ألقيت في المسجد الكبير في عمان خطاباً أطالب فيه بالانضمام للوحدة بين سوريا ومصر، وكانت كلمتي مرتجلة وقصيرة ودون ترتيب مسبق مع أيّ قوى أو تجمعات أو أحزاب سياسية، وكنت أشعر أن عليّ أن أقوم بشيء ما مهما كان الثمن· ولم يكن أمامي أيّ وسيلة للمناداة بالوحدة إلا في تجمع كبير في مناسبة صلاة الجمعة، وعندما دخلت المسجد كانت هناك قوات كبيرة من الأمن والعربات العسكرية، حيث كانوا يتوقعون أن تنطلق المظاهرات من المسجد الكبير إلى أرجاء العاصمة في ذلك اليوم·
فور انتهاء صلاة الجمعة اعتليت المنبر، وأخذت أحدث جموع المصلين حول فلسطين والوحدة، وأنها تحررت عندما توحدت مصر وسوريا بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وأن التاريخ الآن يعيد نفسه، فهناك وحدة تتم بين سوريا ومصر، والأردن في موقعه هذا وحدوده الطويلة مع فلسطين ينبغي أن يكون جزءاً من هذه الوحدة، ولم أكد أكمل كلمتي حتى فوجئت بعدد من الأشخاص يهاجمونني ويقتادونني بالقوة خارج المسجد، ولم يتركوا لي مجالاً لإكمال كلمتي أو حتى لارتداء حذائي الذي بقي في المسجد· أخرجت من داخل المسجد، وكان هناك صف طويل من الجنود ورجال الأمن، وكانوا يصيحون هذا هو! هذا هو مشيرين إليّ، وأخذ عدد من الجنود يبدو شكلهم أنهم من جنود البادية يدفعونني بقوة ويضربونني ببنادقهم، ولولا رجال الأمن الذين كانوا يمسكون بي لتسببوا لي بأذى شديد أو ربما القتل·
صعدت مع رجال الأمن في عربة مقيد اليدين، واقتادوني إلى مقر شرطة العاصمة في عمان وأودعوني هناك زنزانة لبعض الوقت، وبعد ذلك جرى استدعائي إلى غرفة كبيرة بها كبار ضباط الأمن، وبعض العسكريين، ومحافظ العاصمة، ويترأس الجميع الشريف ناصر، وهو المسؤول الأمني والعسكري الأول في تلك المرحلة· وقفت بينهم حافي القدمين، فبادرني الشريف ناصر الذي تولى التحقيق والأسئلة، وكانت تدور حول ماذا قلت؟ ولماذا؟ ومن دفعني إلى هذا الموقف؟ وعلاقتي بالأحزاب الوطنية في الأردن، ومن ضمنها الحزب الوطني الاشتراكي الذي يترأسه سليمان النابلسي، والحزب الشيوعي؛ فنفيت في جوابي علاقتي بأيّ منظمات سياسية، وأكدت أنني لا أنتمي لأيّ تنظيمات أو أحزاب، ولم يدفعني لما قلته إلا انتمائي الوطني والعربي وقضيتي الفلسطينية، وأني من حقي كمواطن أن أعبر عن رأيي في هذه المرحلة من حياة الأمة·
ثم أخذ يتساءل ما الثمن الذي قبضته لقاء قيامي بهذا الأمر، فقلت مستغرباً: ليس مثلي من يقوم بمثل ذلك، فسألني أين تعمل؟ وكنت أعمل في إحدى دوائر الدولة، فقال لي ألا يكفيك ما تأخذه من راتب من الحكومة، فقلت عندما يضحي الإنسان في سبيل موقف فلا تعود المسألة كم أتقاضى من راتب، وكم أخسر، وكم أربح؟