أنت هنا

قراءة كتاب القطيعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القطيعة

القطيعة

تمثل رواية "القطيعة" للروائي السوري خليل النعيمي مرحلة مغايرة في الرواية العربيّة المعاصرة، لا تكتب للحكي، أو لتصف أو لتسلّي أو لتعظ أو حتّى لتنتقد، بل لتنقض وتهدم وتسعى لتحقيق تغيير جذريّ، وقطيعة مع كلّ ما هو سائد في الرواية والفكر والقيمة والبنية الأدبيّة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
 ولم يكن ذلك بالمستطاع! من أمتى ما أغتسلت يا خوخة؟ نسيت، ما عدت أدري - وأنت يا هبرية؟ آني أغتسل من الحيض للحيض· من الحيض للحيض!؟ والخابور يجري عويلاً· عويلاً· مياهه بنية وَحْلاء· يغيض صيفاً· يفيض شتاء· وهو كله متروك لابن جليوي· متروك لابن الكلب· للتربة التي لا ترتوي· للجيلان· لسواقي القطن الطويلة الممدودة حتى السراب: سواقي عباس التي حفرها بزنديه وبَثَّ فيها الزرع· والتي، منذ أن بزغ القطن منها وصار جروساً، كل شيء تغير فيها: تغيرت القاع· تغير الهواء· الآخرون تغيروا، كذلك· تغير النهر أيضاً: مهدت الورادات لهن، حوله، مطارح جديدة للغرام، وغدت الواحدة، منهن، تَنْبطِحُ، وهي تقطف أزهار القطن البارعة، معطية كيانها الخلفي، للريح! خلفها، يَنْسَدِل الغول· ينوشها· يحوشها· وشيئاً فشيئاً يدخلها حتى السواء· وماء الخابور ينقص عاماً بعد عام· يذهب به ابن جليوي بعيداً· بعيداً، حتى الهضاب· يمرره على السهول، أولاً· ومنها، يرفعه عالياً حتى السماء· يرسله عبر اسطواناته المعدنية الهائلة أين يشاء· وعاماً بعد عام، حلت الأشياء محل الكائنات: لم يعد ابن جليوي بحاجة إلى عمال· لم يعد بحاجة إلى حفارين· ولا بحاجة إلى سقائين، صار كالمرار يكفي نفسه بنفسه! وعباس سرى يبحث عن شغل· عن معاش· والشرح يتلو الشرح: العيشة صعبة وأنت بالمدرسة· والمعلم يطلب عليك ليرة: ليرة للورق· ليرة للغرق· ليرة للقرار· ليرة للفرار· ابن جليوي لم يعد بحاجة إلى أحد· الناس سَوَّتْ له كل شيء· العرب تحوم حوله مثل البَرْغش· تأكل الأخضر واليابس· تلقف ما يزتّه لها من نفايات وأزيال· حتى بَقِيّ حطب القطن اليابس أخذوه! حطب الأغصان الرمادية التي حِشْناها غصناً، غصناً· ونَتَفْنا ريشها الأبيض الناعم ريشة· ريشة· الريش الذي وقفنا محسورين ونحن نراه يُحْمَلُ حِمْلاً بعد حِمْل· يُحْمَلُ، بعيداً عنا، إلى المدن النائية التي لم نرها قط: حلب والشام وحمص وحماة· بلى! المعلم يا وليدي بدّه ليرة· والليرة بدها شغل· والشغل عند ابن جليوي· وابن جليوي ما يريد· وعباس سرى من أول الليل· سرى يدوّر على شغل· ابن جليوي كفاه الخابور· خابور ابن الكلب· حتى المَيةّ صارت علينا! وأؤكد باكتئاب: سرى من أول الليل! وفي كياني الخفيّ تتفاعل طُعوم اغنياته· أغنيات منتصف الليل· تتفاعل وهي تتلاشى، مثل عرق العمال المستريحين مساء: رويداً رويداً وبانتظام· تتلاشى، وهو يقودني من اليد إلى اليد: تودّيني وينْ يا عباس؟ تعال· تعال أسولف لك· وسريعاً نختفي وراء الدور·
 
على كتف العَلْوة نقف جنباً إلى جنب· ويتطلع عباس إلى الغروب: الشمس تقع في الوجه· 

الصفحات