أنت هنا

قراءة كتاب القطيعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القطيعة

القطيعة

تمثل رواية "القطيعة" للروائي السوري خليل النعيمي مرحلة مغايرة في الرواية العربيّة المعاصرة، لا تكتب للحكي، أو لتصف أو لتسلّي أو لتعظ أو حتّى لتنتقد، بل لتنقض وتهدم وتسعى لتحقيق تغيير جذريّ، وقطيعة مع كلّ ما هو سائد في الرواية والفكر والقيمة والبنية الأدبيّة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
 الفيء يمشي وراء· والسكون شديد الوطأ وقاتل· وأحسُّ كوعه يلامس زندي: ضربته بالكاروك على رأسه وانهزمت· وأجْفُلُ جفلاً· جفلاً: ليش يا عباس؟! ليش؟! ويحسني عباس من المفصل إلى المفصل، وعيناه تقعان في قارة الضوء الآخذ بالذوَبان: مَرَّت الزينة وآني اسقي القاع· ورفعت ظهري أدحق بيها· وانكسرت الساقية· وسالت المية على القواطيع وهجمت على المية مثل السبع أردها عن البر· وصمت عباس· صمت المحيط كله· كانت الشمس لا تزال تولي الأدبار· وتنفس عباس عميقاً· وهزَّني· هزني بعنف· كاد يقطع وصلاً من أوصالي: وامتلأت البرية ضحكاً وصخباً· الزينة تدحق عليَّ، وأنا أدير المي· وسمعتها تقول: شوفي، يا وَلّي، شوفي حَنْيَة ظهره مثل كتف الشعيب· وسكت عباس· كان الدمع يتجمع في المقل السود المسمومة· مُقَل عباس الحمر اللاهبة· وبَعْدينْ، يا عباس؟ وبعدين؟ وما أدري، ألا والكلب ابن الكلب يَتْفل على وجهي، ويقول: اللي يسقي أراضي الناس ما لازم يدحق على اطياز النسوان· وأحسست بالجنون يركب رأسي، مثل العجاج· يدوخني، والنار تأكلني أكلا، آه! بَسْ لو ما تَفَل على وجهي، آه! وما أدري إلا والكاروك تشق رأسه· والدم منه يسيل ويسيل· ومع الريح اختفيت· اختفيت، وتركته، مثل كوم الحطب، مطروحاً على القاع· وانحنى على النهر عباس· انحنى يتملى النهر الأحمر الموحل وهو يضيع في بطن الوادي· يتسرب تحت الشجيرات الفضيّة، البائسة، المحملة بالثمر الرديء· وفجأة غدا واقفاً مثل عمود التيل، وتنهداته المستمرة تختلط بالحرارة الراكدة، المقيتة: كلما القى شغلاً انطرد منه! اشتغل بدراهم يطردوني· اشتغل بلاش يطردوني· ما اشتغل يطردوني· وأصل المشاكل كلها الطيز· وأتنفس أنا الصعداء: الطيز!؟ طيز كَهْلة، المنتفخ مثل لغديها، واثداؤها البارزة كالبطيخ، ورائحة نزير إبطها ومغبنيها، وزنخ الجسد الذي لا يعرف الغسل إلا من الحيض للحيض· ويبدأ عباس يدمدم، من جديد، اغنياته القديمة: غنّ يا عباس· دخيلك غنّ· أنت كمان تحب الغنا يا عَجي!؟ المدرسة ما علمتك شيء؟ مدرسة ابن جليوي، مدرسة ابن الكلب· المدرسة اللعينة اللاصقة بالخابور، المحاطة بفضاءات القطن اليابسة المنهوبة، وبالمساحات المزروعة حنطة وشعيراً· والتي في هوائها القاحل لا تتردد إلا عبارات القرف والتوبيخ: أنت ما عندك مقعَد!؟ أقعد على الأرض، أستاذ· ويستدير رأس الأستاذ الأصلع الصغير، وهو يسد منخريه الحصانيين بأصابعه المعدنية: أقعُدْ وينْ ما بدك، بَسْ ابعد عني هذه الرائحة· ابعد زنخك عني· ومن الفوهة السمراء الراجفة، تظل الكلمات تتلاحق في نسيم العصر· وأحس بجلدي يكشُّ· ويقشعر بدني مثل بدن العصفور المجروح· عباس ينظر في الغروب: اليوم كمان أسرى· أدور على شغل· ويغدو لساني ثقيلاً مثل الصوف المبلول: أريد أن أقول له شيئاً، ولا أقول!

الصفحات