أنت هنا

قراءة كتاب الغــــــرب بين الإزدهار والإنهيار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الغــــــرب بين الإزدهار والإنهيار

الغــــــرب بين الإزدهار والإنهيار

تقييمك:
4
Average: 4 (4 votes)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 7
فقدان الفرد للشعور بالأمن
 
وعندما ذهبت إلى الفندق الذي أنزل فيه .. وما أن دخلت غرفتي وأغلقت الباب .. حتى تكشف لي أول ثمن يدفعه الأمريكي مقابل التقدم المادي الذي رايته ودهشت له .. فقد وجدت لافتة ورقية ملصقة على خلفيته كتب عليها نصائح للنزلاء ( بل تحذيرات ) تقول التالي:
• لا تفتح الباب لأي طارق حتى تتعرف على هويته..فقد يقوم هذا الطارق بمهاجمتك وسلبك نقودك وحتى حياتك.
• إذا نزلت إلى السوق فلا تأخذ معك إلا القليل من النقود التي تكفي مشوارك.. لأنك معرض للسلب في أي لحظة .. كما ولا تكن خالي الوفاض منها، لأن من يهاجمك قد يقتلك حنقاً إذا لم يجد لديك شيئاً
منها.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد .. بل تلقيت تحذيراً من زملائي في البرنامج عندما أخبرتهم بما وجدت على باب غرفتي في اليوم التالي.. فاخبروني بضرورة تجنب التوجه وحيداً إلى الشارع ( السادس عشر) في واشنطن فهو شارع إجرام قد تتعرض فيه إلى السلب او حتى القتل.
وهنا اعتراني شعور بعدم الأمان.. اختفت معه مشاعر الدهشة والانبهار التي سبق وأحسست بها .. وبالمقابل استبد بي القلق المرعب لأفقد معه كل شعور بالمتعة أو السعادة الذي كنت أحس به او كنت أمني النفس به في لاحق برامج الرحلة.. وتساءلت ما فائدة كل ثروات الدنيا ولذائذها إذا فقدت الشعور بالأمن والأمان .. وعندها أدركت أن الثمن الذي يدفعه الأمريكي يفوق بما لا يقارن كل ما أتيح له من ماديات أو ملذات حياتية .. ولعل ما نرى من اندفاع لدى الأمريكيين خلف الملذات ما هو إلا هروب من هذا الشعور.. أو قل أَخْذَ ما يستطيع من الحياة قبل أن تنتهي في أي لحظة.. فهو يعيش في عالم جريمة تعم جميع الولايات.. فلا تخلو نشرة إخبارية في أي ولاية عن خبر جريمة سطو او قتل تقع في الولاية.. ولو جمعنا ما يقع في الولايات الإحدى والخمسين من جرائم لاحتاج الأمر نشرات إخبارية حولها لا تستوعبها ساعات النهار بل اليوم بكاملها .. وتشير آخر الإحصاءات انه تقع في أمريكا في كل دقيقة جريمة سطو أو اغتصاب أو قتل.. وفي الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة قيام الأطفال بجرائم قتل تطال زملاءهم في المدرسة ومعلماتهم.
فهل رأيت بعد ذلك أي شعور بالأمن يمكن أن يحس به الأمريكي او من يعيش في أمريكا ؟! .. وهل رأيت بعد ذلك أي ثمن يدفعه الأمريكي او الذي تجره الأقدار ليشاركه في هذه الحياة مقابل ما ينعم به من ازدهار مادي ؟! .. ألا ترى معي الآن عدم جدوى استخدام كلمة “ينعم" في هذا الإطار.. فالنعم فيها بركة إلهية تجعلها توحي بالراحة النفسية والطمأنينة.. وأين منهما الشعور بعدم الأمن المدمر لكل راحة والقاتل لكل طمأنينة.
الاحساس الدائم بالوحدة والغربة
 
وعودة إلى برنامج الزيارة .. مضى البرنامج بفقراته المرسومة كما كان مقرراً.. حتى وصلنا إلى (سان فرانسيسكو) حيث أتى موعد أمسية (عيد الشكر Thanks Giving) المشار إليها آنفاً.. واتى المضيف إلى الفندق في المساء لاصطحابي كما كان مقرراً أيضاً .. وقبل أن نتوجه إلى منزله اقترح أن نقوم بجولة في سيارته في طرقات وشوارع المدينة وضواحيها .. وتجاذبنا أطراف الحديث الذي وجهته لمعرفة اكبر قدر ممكن عن واقع حياة الأمريكيين وعلاقاتهم ببعضهم البعض .. واليكم إيجازاً عن هذا الواقع الذي ستوضح لنا ألغازاً .. كما انه قد يضيء بعض جوانب من موضوعنا مدار البحث.
لا تلتقي الأسر هناك في المناسبات العامة او الخاصة إلا في الأماكن العامة.. لذا فالزيارات البيتية شبه معدومة إن لم تكن معدومة تماماً.. ففي الأعياد الدينية مثلاً تجتمع الأسرة بأفرادها.. هذا إن كان لها أفراد قريبون او غير مرتبطين بارتباطات خاصة بهم.. لذا فهم يرحبون بأي زائر يزيل عنهم عزلتهم حتى ولو كان الزائر من بلاد الواق واق.. وقد صدف أن كنت أنا الزائر الذي جاءهم من تلك البلاد او من بلاد قريبة منها.. فهل عرفت الآن لم كانوا يسجلون أسماءهم لاستضافة ضيوف دولتهم ؟!.
إنهم يعيشون حياة لا تربطهم بغيرهم سوى روابط العمل .. وبالتالي فهم يحسون بالوحدة .. وهذا يقودهم بدوره إلى إحساس بالوحشة والغربة .. لينتهي بهم الأمر إلى الشعور بعدم الأمن .. فهم وحيدون .. نعم وحيدون في عالم يملأه الرعب والخوف بسبب الجريمة المهيمنة على حياتهم.. والوحيد في هذه الظروف يشعر بخليط من مشاعر الوحشة والرهبة والوحدة .. وبالتالي بعدم الأمن والأمان مما حوله .. وهو هنا لا يشعر بالطمأنينة داخل نفسه .. ولا بالأمان ممن حولـه .
فهل عرفت الآن هول المعاناة التي يعيشها الفرد الأمريكي .. وبالتالي قسوة الحياة .. او بمعنى أدق الحياة الضنك التي يعيشها ذلك الفرد ؟ .. وهلا أدركت فداحة الثمن الذي يدفعه الأمريكي مقابل ما تتبجّح به وسائل الإعلام الغربية هناك .. والإعلام العربي هنا من تفوق وعظمة وازدهار الحضارة الغربية والإنسان الغربي؟!. وهلا أدركت النهاية التي نتوجه إليها بشعوبنا ومجتمعاتنا وبخطى حثيثة باتباعنا سبلهم في تفكيرهم وفي أنماط حياتهم ؟! .. وإني لأخشى، إن لم نتوقف عن هذا وبسرعة أن نجد أنفسنا في هاوية لا نستطيع منها خروجاً.
أعتقد الآن انه قد آن الأوان للتعرف على أسباب ما وصل إليه الإنسان الأمريكي من واقع مرير .. وما تسبب عنه من آثار تجاوزت الآثار النفسية إلى الآثار العضوية والدينية والاجتماعية والأخلاقية ؟!.

الصفحات