أنت هنا

قراءة كتاب دوائر الجمر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دوائر الجمر

دوائر الجمر

رواية "دوائر الجمر" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2005، للكاتب مؤيد العتيلي، نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
وفي مساء ذلك اليوم من نيسان عام 1968، خرجت من البيت، وتوجهت صعوداً نحو منطقة العبدلي، كنت أقصد اللويبدة - الجبل الذي كنت أحب - كانت شوارعه هادئة وجميلة·· كانت أشجاره كثيفة والمباني فيه جميلة أيضاً، لفت نظري شخصٌ قادم نزولاً إلى وسط المدينة، كان يمشي بتمهّلٍ أيضاً، لفت نظري بكثافة شعر رأسه ولحيته، كان يلبس معطفاً أسود طويلاً يصل حتى أسفل ركبتيه، وكان يحمل على كتفه كيساً أبيض، توقفت ورحت أنظر صوبه ، كانت خطواته بطيئة، كان يمشي ورأسه إلى الأعلى، وحين أصبح في النقطة المقابلة لي على الرصيف الآخر، أحسست بقوة غريبة تدفعني نحوه، لم أتردد·· قطعت الشارع إلى الرصيف الآخر، كان الرجل ما يزال يمشي متمهلاً، وكنت قد أصبحت خلفه مباشرةً، مشيت خلفه متمهلاً أيضاً، تفحّصته·· لم يكن شعره أسود تماماً، كان مائلاً للبياض بفعل الغبار، نظرت إلى قدميه·· كان بلا حذاء، أسرعت قليلاً، وحين أصبحت بموازاته، نظرت في وجهه، لم يلتفت إليّ، خطوت للأمام وعدت أتفحص وجهه، أحسست بما يشبه الصدمة، أحسست بجفاف في حلقي، واشتدّت خفقات قلبي، توقفت أمامه·· فتوقف، نظر إليّ، كانت يده اليمنى مرفوعة إلى كتفه تمسك طرف الكيس المعلق فوق ظهره، كنت قد تيقنت أنه هو، صحت - الأستاذ نديم··، لم يجبني، لكنه ابتسم لي بعياء، مددت يدي نحو يده التي تمسك بالكيس·· قلت - أحمله عنك، لكنه رفع يده اليسرى وأشهرها في وجهي، كنت ما أزال أقف أمامه·· حين اتجه يساراً وتجاوزني، وأكمل سيره نزولاً، وظلّت خطواته بطيئة أيضاً، استدرت بدوري·· وبقيت واقفاً أتابعه بنظري، أحسست بوهن شديد في ساقيّ، خطوت إلى الحائط·· واستندت·
 
انتظرت قليلاً، ثم وجدتني أتجه نزولاً خلفه، وبعد أن قطعت مسافة قصيرة، رأيته يتوقف عند الدكان الصغير الذي اعتدنا شراء حاجياتنا منه، كنت قد وصلت إلى الدكان خلفه، لكني أبقيت على مسافة أمتار بيني وبينه، كانت الصناديق الخشبيّة المعبأة بالزجاجات الفارغة تحتلّ مساحة على الرصيف أمام الدكان، وقف الأستاذ نديم خلف الصناديق، وأنزل كيسه الأبيض ووضعه على الأرض، ثم نزل بجسده على الأرض، أسند ظهره إلى الحائط ومدّد ساقيه، دخلت الدكان، كان صاحبه رجلاً في منتصف العمر، ذا لحية قصيرة يميل لونها إلى الأبيض، كان يعرفني جيداً·· سألني إن كنت أريد شيئاً·· لم أجبه، عاد وسألني إن كان هناك شيء ما، أشرت بيدي إلى خارج الدكان وقلت - ذلك الرجل، نظر إلى حيث أشرت بيدي، لكنه لم ير أحداً، قلت - إنه يجلس على الرصيف، تحرك من مكانه وتبعني خارجاً، أشرت إلى حيث يجلس الأستاذ نديم، قلت فيما كان صاحب الدكان يتأمله - هل تعرفه؟ هزّ رأسه نافياً، اقترب صاحب الدكان من الأستاذ نديم، قرفص أمامه، سأله إن كان به شيء فلم يجب·· سأله إن كان يشكو من شيء·· ولم يجب أيضاً، دخل الرجل دكانه·· وعاد بزجاجة ماء، قدمها له، أخذها الأستاذ نديم·· رفعها إلى الأعلى وراح يصب الماء في جوفه عبر فتحة فمه التي اتسعت إلى آخر مدى، تبللت لحيته كذلك عنقه·· ثم صدره·· وبعد أن اكتفى من شرب الماء، رفع الزجاجة إلى ما فوق رأسه وصبّ ما تبقّى فيها، دخل الرجل إلى دكانه مرة أخرى وعاد يحمل رغيفاً وقطعة جبنٍ وحبتين من البندورة قدمها له، اعتدل الأستاذ نديم في جلسته·· وأخذ الرغيف وحبتيّ البندورة، وشرع في الأكل، تنحيت جانباً·· وتجنبت النظر إليه، فيما كان يلتهم الرغيف، كان جوعه قاسياً·· مثلما كان عطشه، كيف قطع كل هذه المسافة من قريته المجاورة لعتيل·· ليصل إلى هذا المكان··؟ ماذا حدث له·· وكيف حدث؟ أسئلة كثيرة كالرماح كانت تخترق عقلي وقلبي، هذا الرجل الذي كان صوته يدوّي حين كان يحلّ مسائل الرياضيات الصعبة في الصف·· وهو يلوّح بكلتا يديه، وحين كان ينتهي من كتابة الحل على اللوح الخشبي·· يرمي ببقايا الطباشير في الهواء·· فنتقافز لالتقاطها، ينفض يديه ثم يأمرنا أن نمسح اللوح·

الصفحات