أنت هنا

قراءة كتاب واقع مأجور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
واقع مأجور

واقع مأجور

في رواية "واقع مأجور" الصادرة عام 2010 عن المؤسسة العربية لدراسات والنشر- بيروت للكاتب الفلسطيني فؤاد سليمان؛ يبحثُ الكاتب في هذه الرواية أن يبحث عن معنى الصداقة الحقيقية الصادقة بين الناس، يتكلَّ فيها على مقاربة تربوية - نفسية تأخذ منحىً حوارياً بين بطل ال

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
المقابلة
 
كان مسعود يسير في الصّحراء حين عثر على تمثال خشبي لامرأة، وإلى جانبه طابة كرة قدم أمريكيّة كبيرة، خضراء ومستديرة· التقط مسعود الطابة وعندما فتحها وجد فيها الكثير من المال·جميلٌ أنّ نبات الصّبّار لا يتطلّب الكثير من الريّ، أليس كذلك؟ فيكفي أن ترويها مرّة في الأسبوع أو حتى في الأسبوعين· إنّها مختلفة عن كل تلك الأزهار الفاتنة التي تصرخ للفت الانتباه إليها، والمنتفخة بالزينة والجمال· تلك الأزهار تتطلّب عناية دائمة، ريًا وتقليمًا وهلمّجرا· حسنًا، هنالك أشخاص مستعدون للقيام بكل هذا· ولكن برأيي إنّه لو كنت مستعدًا للاعتناء بمثل تلك الأزهار كثيرة المتطلّبات، فلماذا لا تأتي بحيوان أليف حقيقي، كقط أو كلب·
 
كانت الساعة تشير الى الرابعة إلاّ عشر دقائق بعد الظهر، وقد توجّه مسعود إلى مغسلة الحمام حاملاً كأسًا زجاجيّة، ملأها بالماء، عاد إلى غرفته حيث روى نبتات الصّبار الصغيرة الثلاث، التي أطلق عليها الأسماء: غومز، فرناندز وألبرتو· وقد تذكّر أن يرويها لأنّه كان يجلس في غرفته لفترة من الوقت وهو ينظر حوله ويدرس أفكارًا لكيفية إعادة تصميم ديكورها، وقعت أنظاره على تلك النبتات الشائكة أكثر من مرّة· وقد انتظر عشر دقائق، متوقّعًا حضور لطفي في الساعة الرابعة· عاد إلى الحمّام، لكي يرتّب شعره هذه المرة· شعره بني وأملس ودقيق، ذو نزعة طبيعية لمقاومة أية محاولة لتمشيطه باتجاهات معيّنة، ما جعل تمشيطه بالطريقة التي يرغب فيها أمرًا عصيبًا· بعد أولى محاولاته تمشيط شعره، نظر في المرآة ولاحظ نمو بعض الشعرات بين حاجبيه· كانت تلك شعرات غير مرغوب فيها بالنسبة إليه· لذا فقد تناول ملقط الشعر، كعادته، عن رفّ الخزانة، وأزال تلك الشعرات الصغيرة حديثة النموّ، والتي كانت بالكاد تُرى· كان يكره تلك الشعرات بين حاجبيه لسببين: الأول لأنّه كان يعتقد أنّها لا تلائم الموضة، والسبب الثاني هو أنّه سمع مرّة امرأتين مسنّتين تثرثران حول اعتقادٍ مفاده بأنّ الناس الذين لديهم شعر يصل بين حاجبيهم يملكون قدرات خفيّة، ومسعود لم يرغب على الإطلاق في أن تكون لديه أية قدرات خفية·
 
فتح مسعود فمه ليرى مدى بياض أسنانه، ووجد أنّها بيضاء ضاربة إلى الصّفرة، لكنها لم تكن صفراء مثلما كانت قبل أن يبدأ بفركها كل مساء بالفرشاة· مشّط شعره مرارًا حتّى رضي بشكله· بعدها وضع القليل من كولونيا الحلاقة من نوع باكو على وجنتيه وعاد إلى غرفته· أشعل سيجارة وفتح النافذتين ليسمح بانسياب الهواء إلى الغرفة· كانت النسمة باردة ومنعشة، فالوقتُ ربيع· فكّر إن كان يرغب في الاستماع الى الموسيقى، وإن رغب، فأي نوع من الموسيقى سيلائم جو هذه المقابلة؟ وقرّر أن يضع موسيقى من دون كلام، كي لا تتداخل مع الحوار· في النهاية قرّر وضع أسطوانة لربيع أبو خليل عازفًا على العود· كانت الموسيقى هادئة واتّسمت بشيء من الجاز وحملت في طيّاتها إحساسًا بالصحراء· فقد شملت مزيجًا من نكهة الجاز الحديث ومن المزاج القبلي والإثني الدافئ· جلس مسعود ونظر إلى ساعة يده· لقد بقيت خمس دقائق· كانت السيجارة وصلت منتصفها، ووصلت الموسيقى حيث يعزف ربيع منفردًا مقطعًا بارعًا على العود· بدأ مسعود بتحريك يديه، وكأنّه يعزف على عود غير مرئي، محاولاً أن يتتبّع كل النغمات بحركات أصابعه السريعة، ثم توقّف إذ إن العزف المنفرد على العود صار سريعًا بشكل مذهل، ولم يعد باستطاعته مجاراة وتيرة العزف· حدّق مسعود في غيتارته السوداء ذات الأوتار الفولاذيّة التي كانت في زاوية غرفته، ونهض متوجّهًا إليها قاصدًا تناولها· ولكن في منتصف طريقه، رنّ جرس الباب· وحين كان يغيّر مسار خطاه نحو الباب، ألقى نظرة على ساعة يده وفهم أن لطفي قد أتى مبكّرًا بثلاث دقائق·

الصفحات