أنت هنا

قراءة كتاب أقباس من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اقباس من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

أقباس من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

كتاب "أقباس من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة" لمؤلفه علاء الدين المدرس، يتكلم عن الإعجاز العلمي في القران الكريم والسنة النبوية، من خلال خمسة محاور رئيسية تدور حول، مختارات من الإعجاز العلمي في القران والسنة، في المواضيع الطبية والفلكية والطبيعية الأخرى،

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 7

ويعلم ما في الأرحام

قال تعالى:  إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير  .
مما شاع عند كثير من الناس أن هناك مغيبات أستأثر الله  بعلمها، ولا يعلمها غيره، في حين استطاع العلم التطبيقي الحديث معرفة بعضها بل والتحكم بها قبل حدوثها بتوجيهها باتجاه محدد معين، كالتحكم بنوع الجنين.. ذكر أم أنثى، وذلك قبل اختلاط النطف في الأرحام، وقام بخلطها صناعياً بما يؤدي إلى أحد الاتجاهين، كما استطاع العلم التطبيقي الحديث إنزال المطر الصناعي.. فتوهم البعض بأن هناك تناقض بين هذه النصوص والعلم بسبب التعارض الظاهري بين الآية أعلاه وما استطاع العلم الحديث القيام به من تسخير وكشف للقوى الكامنة في الطبيعة سواء في الآفاق أو الأنفس، فإنكار النص كفر، وإنكار الواقع الثابت يقيناً مكابرة وتخلف، لذلك قامت الحاجة إلى تفسير معاصر وعلمي وإلى التوفيق الذي يوضح التوافق الحق رغم ما يظهر من تعارض ظاهري وقد قال الغزالي ومن بعده الألوسي في هذه الموضوع، ما مختصره:
نحن مع الظواهر حتى يقوم الدليل القطعي على خلافها، وحينئذ نميل إلى التأويل وبابه الواسع، وإنما جاز تأويل النص (ظاهر المعنى) لأن الجمود على اعتقاد لمعنى المتبادر منه، ورفض ما يدل عليه الدليل العقلي القاطع، يقتضي هدم الأصل وهو (العقل) الذي ثبتت به رسالة الرسول ص المتكلم بتلك النصوص الشرعية. إذ لولا العقل لما وصلنا إلى الاستدلال على صدق دعوة الرسالة، فإذا هدم الأصل هدم الفرع لا محالة، وهكذا الحكم في كل نص (ظاهر المعنى) ناقضه الدليل العقلي القاطع. أما فيما يخص النظريات والفروض العلمية التي هي غير قطعية -كما نعلم- فإنه إذا كان الدليل الذي قام على ما يناقض ظاهر المعنى دليلاً (غير قطعي) فلا يسوغ تأويل النص وصرفه إلى معنى أخر. وكما هو معلوم أن هناك من النصوص ما هو (متعين المعنى) وقطعي الدلالة، فإن هذا النوع من نصوص القران لا يقبل التأويل وقد أستند العلماء في كل ذلك على إحدى أبرز خصائص التصور الإسلامي وهي أنه ليس هناك من القران والسنة الصحيحة ما يناقض العقل ونتاج العلمي الدقيق، فجاز لذلك في الشريعة الإسلامية، تأويل النص (ظاهر المعنى) وعدم جواز تأويل النص (متعين المعنى) وسنرى أن علم ما في الأرحام ظاهر المعنى ويمكن صرفه إلى عدة وجوه يقبلها العقل والعلم والدين.
ماذا يقول السلف الصالح من المفسرين في تفسير الآية..
جاء، في تفسير الخازن:  ويعلم ما في الأرحام  أذكر أم أنثى، أحمر أم أسود تام الخلقة أم ناقص..
وجاء في تفسير النسفي:  ويعلم ما في الأرحام  ذكر أم أنثى تام أم ناقص؟ وكذلك ما سوى ذلك من الأحوال..
وقال ابن كثير في تفسيره: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه.. ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أم أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك، ومن شاء من خلقه.
هذه نماذج من أقوال السلف الصالح، فمن أين جاء الذين قالوا إن هذا العلم هو مما أستأثر به الله تعالى؟ وإن من أدعى بأنه يستطيع تشخيص جنس الجنين قبل ولادته فقد كفر؟..
وإذا رجعنا إلى تفسير الآية بما يفسرها من الآيات القرآنية الأخرى ثم الأحاديث النبوية الصحيحة ثم أقوال الصحابة والسلف الصالح، نقرأ قوله تعالى: الله يعلم ما تحمل كل أنثى، وما تغيض الأرحام، وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال .
إننا نفهم من هذه الآية ما يأتي:-
1. أن علم الأرحام عالم شامل لكل أنثى من البشر والمخلوقات الأخرى.. وأن هذا العلم بهذا الشمول لا يمكن أن يحيط به أحد إلا الله تعالى.. فهو –إذن- في شموليته علم إلهي أستأثر به الله تعالى لنفسه.
2. إن علم ما في الأرحام لا يتعلق بالجنس فقط ولكن بكل الصفات الخلقية كالكون والجمال والطول والقصر والذكاء، والمواصفات الجينية الكثيرة، وكذلك كل الأقدار التي ستكون من شقاء أو سعادة أو حوادث أو مستقبل وهذا ما تعنيه كلمة (ما) في الآيتين السابقتين ويعلم ما في الأرحام و الله يعلم ما تحمل كل أنثى وقوله تعالى في تقدير صفات وأقدار الجنين من نطفة خلقه فقدره . وإن استخدام (ما) لغير العاقل يدل على تلك المعاني بخلاف كلمة من التي تستخدم للعاقل فتفسير علم الأرحام الإلهي لا ينصرف إلى معرفة ذات الجنين من ذكورة أو أنوثة وإنما ينصرف بشموله إلى جميع الصفات والأقدار التي ستكون واقعاً بعد ولادته بإذن الله تعالى وعلمه.
كما يؤكد الرسول  ذلك المعنى بقوله: أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد .
فشمولية (ما) هذه لا يمكن أن يحيط بها أحد غير الله تعالى، وهي من العلم الذي أستأثر به الله تعالى لنفسه.
3. حتى فيما يخص الذكورة والأنوثة تلك الصفة التي تتبادر للذهن أول وهلة عند المرور على هذه الآيات الكريمة فإنه من المستحيل على أحد من خلق الله أن يعلم في كل لحظة أجناس كل أجنة المخلوقات والأحياء عموماً..
وهكذا فإن مسالة الذكورة والأنوثة بشموليتها هذه علم أستأثر به الله تعالى لنفسه، وهو علم البديع المصور الخالق لما أبدع وصور وخلق من خلق جديد في كونه الفسيح، فسبحان الله الخلاق العظيم..
قال تعالى: لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً. أنه عليم قدير .
4. ويشير مقطع الآية وما تغيض الأرحام وما تزداد إلى أن علم ما في الأرحام لا يقتصر فقط على الذكورة والأنوثة، بل هو أشمل وأوسع بكثير وأن كل عمل الرحم الحامل وغير الحامل أيضاً يندرج تحت هذه الآية الكريمة.. وأنه علم مستحيل على البشر وغاية ما نستطيع أن نعلمه أن الرحم يغيض ويزداد، ولكن ماذا يغيض وماذا يزداد في كل لحظة، فهذا هو العلم المتعذر معرفته مهما تطور العلم والطب.
غاية معرفتنا العلمية أننا ندرس آثار هذه التبادلات على الجنين (أي ما يطرح من الجنين أو يزداد عبر المشيمة داخل الرحم) فندرك بما آتانا الله من علم، إن هذا الجنين بخير وإن ذلك الجنين بحالة خطرة، لأن عملية الغيض والازدياد هذه قد حصل لها ما يعيقها في سياق الحمل فمرض لنقص أوكسجينه أو نقص غذائه أو ما سوى ذلك.. أما علم كمية ما يصل إلى الجنين وما يصدر عنه في كل لحظة وتعميم هذا العالم على كل أرحام المخلوقات فهو ما أستأثر به الله تعالى لنفسه.
5. إن الله تعالى يشير بأعجاز إلى كل ما يجري في هذه الأرحام محسوب بدقة، وذلك بقوله تعالى: وكل شيء عنده بمقدار وقد أصبح واضح بعد هذا التقدم العلمي ومعرفة بعض ما يجري داخل الأرحام أن أحداً لا يستطيع القيام بهذه الحسابات المعقدة والدقيقة لأي رحم من الأرحام.. فكيف بكل الأرحام.. والله وحده يستطيع ذلك لأنه خالق الرحم والجنين وما حوله.
6. أما قوله تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال فيوحي لنا أن علم ما في الأرحام ليس محظوراً على البشرية وأنه لا مانع إطلاقاً من متابعة التطور العلمي حتى النهاية، فبعد أن أخبرنا الله تعالى بأن علمه  متعلق بكل أنثى من بشر وغيرهم، وبأن علمه  يتعلق بما تغيض الأرحام وما تزداد وهو ما يحيط بكل ما يجري في الأرحام من عمليات بايولوجية وكيمياوية وتحولات في الأنسجة والأعضاء، ذكر الله  أن كل شيء عنده بمقدار أي بحسبان وقدر وليس هكذا جزافاً ولا صدفة ولا فوضى بل وفق أسس جينية وراثية ومخططات محسوبة لها علاقة بالنسل والأجيال التي جاء منها ذلك الجنين سواء أكان إنسان أو حيوان ثم قال تعالى في نهاية الآية: عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.
فقد أشار الله تعالى إلى الغيب والشهادة في سياق الكلام عن الأرحام وعلم ما في الأرحام، ليقول لنا أن هذا العلم وإن كان من العلوم الغيبية الخمسة في سورة لقمان/ آية 34 والمشار إليها في البداية، فإن بعضاً منه متاح للبشر في عالم الشهادة، ليقوموا برعاية الحوامل ومخاضاتهم على الوجه الأسلم والأيسر، كجزء من تسخير العلم والطب لخدمة الإنسان، والحفاظ على نسله ليقوم بدوره في خلافة الأرض، وقد وردت الآثار على أن الله تعالى ييسر لبعض عباده ما يشاء من هذا العلم كما ذكر ابن كثير وغيره في تفسير هذه الآية الكريمة.
إن الإسلام يدعو المسلم إلى أن يفرح بالنظرية الجديدة أو الاكتشاف الجديد الذي يتحقق في الطب وغيره من فروع العلم المختلفة، لأننا على يقين أنه لا تعارض بين الإسلام والعلم أو بين الكون المقروء (أي القران) وبين الكون المنظور لأن الحقائق في كليهما من الله الخالق، وإن هذا التعارض الظاهري يظهر في عقولنا أحياناً حين نعجز عن فهم النص أو في جعل الاحتمال والنظرية حقيقة مطلقة نحال أن نفسر النص على ضوئها.
إن الإنسان لا يلبث أن يكتشف إننا في أي اكتشاف علمي قد أضفنا أكثر بكثير لما نجهل فإن العلم قد دأب وهو يفتح باب في العلم وإذا به يفتح عشرة أبواب من المجاهيل والأسرار سواء في مجال الفلك وعالمه الواسع أو الذرة وعالمها الصغير أو الخلية في الأحياء وعالمه السحري المرصع بالأسرار والمجاهيل. إن عالمي الغيب والشهادة في الأرحام كغيره في العوالم الأخرى، كالليل والنهار، كلما لحق النهار بالليل لحق بالنهار، وكلما زادت معلوماتنا ازدادت مجهولاتنا ولن يستطيع الإنسان مهما تطور أن يحضر علم الأرحام كله، من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ولن يزيد يوماً ما عن الإمساك بالمفتاح، وذلك لسبب بسيط هو أننا بشر وإننا ما أوتينا من العلم إلا قليلاً.
أما العليم القدير الذي أحاط بكل شيء علماً، والذي هو على كل شيء قدير، والذي يحفظ عنده أسرار العلوم الكونية ويعطي منها ما يشاء من عباده حين يشاء فإنه جل وشأنه يتعالى ويتكبر على عباده وخاصة علمائهم حيث يصف نفسه  بأنه الكبير المتعال.
أنه تعالى يخاطب بها عباده جميعاً ولا سيما العلماء: إنما يخشى الله من عباده العلماء الذين يتوصلون بأسلوبهم العلمي إلى معرفة إن ما عند الله من العلم الذي جهلوه لا ينضب ولا ينتهي، العلماء الذين مهما كبروا في العلم والمعرفة يظلون صغاراً ولا يملكوا إلا أن يقولوا: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العزيز الحكيم وثمة كلمة أخيرة يمكن أن نقولها إلى المسلمين عموماً لا سيما المشتغلين بالعلم والدعوة هي: إن الإسلام والعلم لا يمكن أن يختلفا أبداً، فإذا تراءى لأحد أي تباين ظاهر بينهما، فيجب أولاً أن نمحص القناعة التي جاء بها العلم الحديث، ثم لنمحص معلوماتنا بدقة عن دين الله، فسنجد حينئذ الوفاق التام الذي لا يمكن أن ينفصم، وهل تحصل هذه الاكتشافات العلمية إلا بأذن الله تعالى وتقديره..؟. قال تعالى: شهد الله أن لا الله إلا هو والملائكة وألوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم .
وقال: ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد .

الصفحات