أنت هنا

قراءة كتاب ثلاثاء الاحزان السعيدة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ثلاثاء الاحزان السعيدة

ثلاثاء الاحزان السعيدة

"ثلاثاء الأحزان السعيدة" رواية تتحدث عن المأساة المعاصرة للمواطن العراقي من جرّاء حرب الخليج الثانية والحصار الدولي والتي تدفع العراقيين للهروب من بلدهم عبر أسفار انتحارية بحثاً عن ملاذ آمن. استخدمت فيها تقنية حديثة لم توظف من قبل في رواية عربية.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
* ملاذ *
 
أولاد قحبة· كلّهم· الرجال· دبقون حتى على مقاعد السيّارات العامّة· يا الهي!!· قدري اللعين أن أفكر، في وقت واحد، بنفسي وبأولاد القحبة الذين يجالسونني الآن، في ظهيرة رهيبة، تفوح منهم روائح الأجساد المتعفنة والنفط الأبيض والشهوات الجاهزة والتبع الرديء، كما أسماك حمقاء تطش نظراتها اللزجة، نحو النساء، حدّ إثارة القرف· وأنفاسي تتثاقل· أختنق بخوفي وأفكاري المجنونة ثانية بعد ثانية·
 
أنا قطرة دم، مسافرة نحو مجهول، تريد أن تتحرر من نفسها، تنفجر، أو حتى تتلاشى في مكان آخر، أي مكان آخر· بشاعة تلاحقني مذ أيقنت أن أرخص ما في وجودنا الآن هو: الانسان!· وأن ثمن الحرية، وهي تغطس بسرعة في مستنقعات أعمارنا، يزداد إرتفاعاً يوماً بعد يوم·
 
أحقاً هي (بشاعة)؟!
 
الرشوة للجنود، في السيطرة الأولى، والمرور لنا· مضاعفة أخذه السائق منّا· دفعناها بفرح، كما أطفال (سرّتهم) اللعبة· خطوة أخرى نحو ذلك المجهول· ثمة ثلاث سيطرات أخرى للحكومة أمامنا· يتناوب الرعب والفرح فينا على الطريق·
 
سيطرتان مدجّجتان بالأسلحة لم توقفا الحافلة العتيقة، التي حشرنا أنفسنا فيها في محطة (كركوك)· لم يكلف جندي الحراسة نفسه حتى بالنهوض عن صفيحة النفط (الفارغة)· أشار بملل صريح (مر!!) فمررنا!!· وكذلك فعل الجندي الآخر في السيطة الثالثة·
 
قطرة الدم مرعوبة فيّ· الرجال يبتلعون الهواء الرديء بصعوبة· يختنقون بكراماتهم المهددة بنظرات الجنود المرتابة· (حصصهم مدفوعة منذ السيطرة الأولى)· قال السائق غير واثق مما يدور· كان هو الآخر قد حوّل فمه إلى مدخنة تبغ، متخلياً عن نظراته العاهرة الدبقة نحو النساء عبر مرايا سيارته القذرة·
 
ــ بقيت واحدة· الأخيرة!! يا الله!!·
 
همس الشاب الذي يجاورني· لم يوجه كلامه إلى أحد· ولكنه رمقني بطرف عينه· محاولة (باهتة) لاستدراجي نحو حديث ما· تشبثت بسكوتي· ربّما كان يقرأ خوفي من السيطرات من (فرحي) برشوة الجنود!!· ربّما كان يعالج خوفه (الأكيد) بثرثرة مع لا أحد!!·
 
أفكاري أكثر من مشوّشة، بين المسافرين الذين حشروا أنفسهم مع بعضهم، ومع الأكياس الملآنة، والحقائب، المثيرة للارتياب، وعبوات النفط الأبيض الراشحة نحو كل الاتجاهات، فيما تركل الحافلة نفسها، بزقزفة ضاجّة، على الشارع المجدور بحفر قنابل الحروب الماضية، نحو السيطرة (الأخيرة!!)، التي بدت لي بعيدة· بعيدة جدّاً· والتي ربّما (تفر) الآن منا كلّما تقدمنا نحوها (نكاية) بكل شيء يعنينا!!
 
ثوان ثقيلة تمر على ساعتي· تنتحر بين العقارب (البطيئة)· زمن يفر نحو لا شيء، أو كل شيء، لا أدري!!
 
الشاب الذي يجاورني أشعل سيكارة أخرى· ربّما كان يريد (الفرار) مع دخان تبغه· ق يكون سياسياً (خطيراَ) يفر الآن· قد يكون أحمقاً آخر، مثلي، بات يشعر بالمخاطر تخنقه دون أن يرتكب ذنباً ضد أحد غير التفكير بطريقة (أخرى!!)·
 
على وجنتيه اليسرى ندبة جرح قديم· مستطيلة· تشبه ختماً رسمياً أو طابعاً بريدياً· يتحسّسه بقلق كأنه يريد محوه، أو التأكد من وجوده لحد الآن· شفتاه تنفثان الدخان دون توقف مع كلمة (يا الله!!) همساً خافتاً جداً·
 
وأنا تقتلني الذكريات والرغبات (المحبطة) دائماً، والأماني المنحورة· يا الهي!!
 
تمزقني أحلام يقظتي التي لم يتحقق ولو واحد منها!! ووحدنا أنا وأنت نعلم بذلك الآن·

الصفحات