كتاب "القضاء والقدر في حياتنا" للكاتب والمؤلف د.
أنت هنا
قراءة كتاب القضاء والقدر في حياتنا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
قـال الشيخ ينقـل رأي الإمـام ابن القيـم: [يعني خلق الله فلانـا من الناس وجبـله على الخير حـتى لا يصدر منه إلا الخير كالصديق رضي الله عنه، وخلـق آخـر مجبـولا على الشـر حتـى لا يصـدر منـه إلا الشـر كـأبي جهـل، هـذا الأمـر من أسـرار القـدر التي لا نعلمـها ولا يــسأل عمـا يفعـل وهـم يسـألون]( ).
هـذا ابن القيـم، وأما الإمـام الغـزالي فكـان أحسـم بكثيـر من غيـره، فهو يرى (أن كـل إنسـان مـربوط بخيـط رفيـع جـدا لا يـدرك بالأبصـار، ولكـل خيـط مربـط بيـد ملـك يحـرك به الإنسـان، وقـد رأى العـارفـون – ويقصـد بهـم الغـزالي أصحـاب المـراتب العليـا في التصـوف – رأوا مرابـط الخيـوط كمـا رأو الخيـوط أيضـا)، ويقول الغـزالي والعلمـاء يعلمـون أنهـم محـركـون إلا انهـم لا يعـرفـون كيفيـة التحـريـك وهم الأكثرون، إلا العـارفـون وهـم العلمـاء الراسـخون، فإنهـم أدركـوا بحـدة أبصـارهم خيـوطا دقيـقة عنكبـوتيـة بل ادق منـها بكثيـر معلقـة من السـماء متشبـثة الأطـراف بأشـخاص أهـل الأرض)( ).
وينصح الإمام الغزالي العلماء ألا يشـرحـوا القضـاء والقـدر أمـام الناس العـاديين، لأن هـذه المعـرفة أنـوار بـاهرة فتبهتر المـؤمنين العـاديين فيقعـون في الضـلال؛ قـال الغـزالي: [لا تكشـفوا حجـاب الشـمس لأبصـر الخفـافيـش، فيكـون ذلك سـبب هـلاكهـم]( ).
وقال بمثـل قـول ابن القيـم والغـزالي علمـاء آخـرون مثل ابن حـزم والـدهـلوي والـدكتورعمـر الاشـقر، واقتطف العبـارات الآتية من أفكـار الـدكتور عمـر الأشـقر وهي قـوله: [لا يخـرج العبـاد وأفعـالهم عن غيرهم من المخلـوقات، فقـد علـم الله ما سـيخلقـه من عبـاده وعلـم ما هـم فاعلـون، وكتب كل ذلك في اللوح المحفـوظ. وخلقـهم الله كمـا شـاء، ومضى قـدر الله فيهـم، فعملـوا على النحـو الـذي شـاءه فيهـم، وهـدى من كتب له السـعادة وأضـل من كتب عليـه الشـقاوة، وعلـم أهـل الجنـة ويسـرهم لعمـل أهلهـا، وعلـم أهـل النـار ويسـرهم لعمـل أهلهـا]( ).
ثم يذكـر الـدكتـور الأشـقـر عــدة آيـات تـدل فيمـا يـرى أنهـا صـريحـة واضحـة المعـاني في أن الإنسـان مخلـوق وأفعـاله مخلـوقة، مثـل قـوله تعـالى: (والله خلقـكم وما تعملـون).
ويتســـاءل بعـد ذلك كلـه بقـوله: (فـإن قـال قـائل لا ننكـر مقتضى هـذه الآيـات الصـريحـة، ولكـن كيف يتـفق أن يكلـف الله بالطـاعة والإيمـان من أراد لـه من عبـاده الكفـر والعصيـان؟ الجـواب: وكشـف السـر عن هـذا الإشـكال العظيـم لـو كـان ممكنـا، وكـان من طـاقة العقـول البشـرية قبـوله لوجب على رسـول الله أن يبينـه ولا يكتمـه، ولكـن لمـا ثبت في الحـديث الصـحيح أن رسـول الله غضب من أصحـابه لمـا سـمعهم يتجـادلـون في القـدر واحمـر وجهـه كـأنمـا فقئ فيه حب الـرمـان وقال: [أبهـذا أمرتم أم بهـذا أرسـلت، إنمـا هلـك من كـان قبلكـم حين تنـازعـوا في هـذا الأمـر عـزمت عليكـم ألا تنـازعـوا فيه]( ).
إذن يسـتند شـيخي إلى آيـات كـريمة واحـاديث شـريفة وآراء علمـاء عـديـديـن، وقـد اسـتوى الأمر لـديهم جميعـهم أن الإنسـان مخلـوق وأن افعـاله مخلـوقة، وإن الكشـف عن هـذا السـر محـال والجـدال فيه بـاطـل، تلك الفئـة خلقـت للجنـة فييسـرها الله لعمـل أهـل الجنـة، وتلك الفئـة خلقـت للنـار فييسـرها الله لعمـل أهـل النار، بل ذكـر الـدكتـور عمر الاشـقر أن الناس كسـائر المخلـوقات، فالشـجر مسـخر والحيوان مسـخر والنجـم مسـخر والإنسـان مسـخر لأن الله تعـالى خلقـه وخلـق عملـه؛ وشـاهـد بعض العـارفين خيـوطـا تـربـط الناس وتسـخرهـم.
ولـو كنت متفقـا مـع شـيخي فيما ذكـر، أو متفقـا مع العلمـاء الأفـاضل فيمـا ذهبـوا إليـه لما قمت بتأليف هـذا الكتـاب، وسيـكون لي مـوقف من آرائهـم ومـوقف آخـر مع مختلف الآيـات والأحـاديث التي اسـتـشـهدوا بها لأبين أن المعـاني التي اخـذوها من الآيـات لم تكـن صحيـحة، وإنمـا للآيـات معـان اخـرى وللأحـاديث معـان اخـرى، لقـد اسـتـشـهـدوا بآيـات كـريمـة وهي لا تشـهد لهـم، واسـتـشـهـدوا بأحـاديث شـريفـة وهي لا تشـهد لهم أيضـا، وسـأبين ذلك بحثـا وتفصيـلا في الصفحـات التـاليـة، ولكنـي أشـكر كـل مفكـر تـؤدي أقـواله إلى حث الهـمم على البحث، لأن البحث لن ينتهي في كتـاب الله حتى تنتـهي الحيـاة ذاتهـا.