أنت هنا

قراءة كتاب أعوام ضائعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أعوام ضائعة

أعوام ضائعة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
كل ذلك كان يدور في رأسي وأنا أغادر عتبة القاعة الصاخبة متوجهاً نحو غرفتي في الطابق الثاني من الفندق، وحانت مني التفاتة من فوق سلم الطابق الأوّل إلى مدخل الفندق، فرأيت ثلاثة شبان يتعاونون على حمل حقيبة ثقيلة، وعند أسفل السلم يضعها اثنان منهم في زاوية خلفية مظلمة، بينما يتحدث الثالث إلى بواب العمارة حديثاً سريعاً، ثم يخرجان معاً ليجيئا بحقيبة أخرى، كما فهمت من حديثهما ويتبعهما الشابان الآخران، ثم يغيب الجميع في ظلام الخارج، وانتظرت قليلاً عند رأس السلم أنظر إلى مكان الحقيبة التي غابت خلف أقدام السلم، وقد داخلتني الريبة في هؤلاء الزوار الليلييين المتأخرين.. ماذا جاء هؤلاء يفعلون والفندق غاص بالنزلاء، والليل مجنون الرياح والأمطار في الخارج؟
 
وشعرت بالخوف يستولي عليّ.. لا يمكن أنْ تكون الحقيبة الضخمة الثقيلة لمسافر انقطعت به السبل في مثل هذه الساعة المتأخرة من مثل هذه الليلة الرهيبة.. ثم .. ها هي السيارة تزمجر وتشخر في قلب العاصفة، ثم تنطلق بسرعة، والبواب لم يعد..
 
وراح عقلي يعمل بسرعة: يجب أنْ أسرع لأطمئن على طفلي وزوجتي، ولكني ركبتي تخاذلتا فهممت بجرهما نحو الغرفة، وفي تلك اللحظة دوّى انفجار رهيب، لم تستطع العاصفة الهائجة أن تمنع صوته من الوصول إلى سائر أطراف المدينة، وفي لحظة واحدة كان الفندق ركاماً فوق ركام.. إلا جوانب قليلة منه ظلت قائمة تتعالى منها أصوات فزع وذعر رهيبين، ورأيتني أمسك بالسلم الصاعد إلى الطابق الثاني، والركام ينهال حولي من كل جانب، وعقلي وقلبي عند زوجتي وطفلي اللذين لن أراهما بعد الآن وفي عيني رعب لا حد له، ولا وصف لهوله..
 
زوجتي .. وطفلي
 
وتنهار بعض درجات السلم التي تمسك بها يداي المتخاذلتان، فأسقط على الأرض فاقداً الوعي، لا أدري أسقطت تحت الردم كما سقط الآخرون، أم على أرض سليمة.
 
ثم وجدتني في اليوم التالي أصحو في المستشفى وأنا أصرخ مجنوناً (زوجتي.. طفلي.. أريد زوجتي .. أريد طفلي) ثم أعود إلى غيبوبة جديدة حين أعلم أنَّ زوجتي وطفلي ما يزالان تحت الأنقاض، مع عشرات آخرين من نزلاء الفندق، والأمطار الغزيرة تحول دون الإسراع في إنقاذهم، وإخراج الجثث من تحت الطوابق الأربعة التي أصبحت جبلاً من الردم..
 
وحين صحوت من جديد كانت صورة من اليأس والرعب، والألم تملأ كياني كله، وشعرت بالدموع تجف في عيني، وبتصميم رهيب يعتلج في أعماقي: "سأنتقم"..
 
وغادرت المستشفى بعد أيام قليلة لأحمل السلاح، وأشترك في قتل الأعداء.. منذ ذلك اليوم أصبحت أحب السلاح، وأحب القتل، وأحب رؤية الدم.. لقد صممت على الانتقام ولن أشبع منه.. لن أشبع منه حتى تطهر أرضي ممن قتلوا زوجتي وطفلي.. طفلي ذا السبعة أيام، الذي لم يخرج من تحت الأنقاض، لأن لحمه الطري انطحن تحتها، وتمزق لاصقاً بقطعة هنا وأخرى هناك.

الصفحات