أنت هنا

قراءة كتاب الأمير عبد الإله صورة قلمية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأمير عبد الإله صورة قلمية

الأمير عبد الإله صورة قلمية

ي هذا الكتاب صورة قلميّة للأمير عبد الإله، الوصي على عرض العراق لمدة ناهزت عقدين من الزمن، حتى حدوث انقلاب الرابع عشر من تموز سنة 1958 في بغداد، كتب هذه الصورة القلميّة السكرتير الخاص في الديوان الملكي العراقي "عطا عبد الوهاب"، المعار من السلك الدبلوماسي إل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
1
 
نحن الآن في آواخر سنة 0 5 9 1· وأنا في منهاتن، قلب العالم الجديد· جئت أحمل أحلاماً كثيرة بعد أن تركت ورائي منصباً في القضاء خلّفت فيه أثراً يقال إنه كان ولم يزل حسناً· ودخلت في خدمة السلك الدبلوماسي يحدوني أمل كبير بأن أوفِّق بين أداء عملي على خير وجه وبين تلبية التوق إلى استكشاف آفاق أخرى في المعرفة والحضارة وأنماط العيش بذهن منفتح يحاول الفكاك من قيود الوسط القديم·
 
جئت متخفّفاً من أحمال كثيرة· فلأول مرة في حياتي أستقل مادياً، أنفق على نفسي بمالٍ أكسبه بنفسي· ولأول مرة أنظم شؤوني العاطفية، فقد وصلت متزوجاً زواج المحبة· ولأول مرة تنداح أمامي السبل المؤدية إلى تحقيق طموحاتي الفكرية، بعضها على الأقل·
 
وهكذا بدأنا، بتول وأنا، نخوض في تيارات الحياة الجديدة بانبهارٍ وتفاؤل وتصميم على الارتقاء بالذات إلى مستويات تكاد تكون خيالية· كان الخيال عندي مناراً يجذبني دائماً إلى سواحل حقيقية، ما أن أصل إليها حتى أكتشف أن ماكنت أسميه خيالاً ماهو إلا المسافة بين موقع قدمي اليوم وموقعها بعد غد، وما الغد إلا الزمن الذي تبذل فيه النفس جهدها· ثم ينير لي خيالي مناراً آخر يهديني إلى غدٍ جديد، قريب أو بعيد·
 
كان ذهابي أشبه بالهجرة· وما الهجرة ؟ إنها فعل ينجم عن شعور بالمحاصرة ينافح في الوقت ذاته فكاكاً عنها· نعم، كنت في بغداد محاصراً : محاصراً في عملي في القضاء، فالعمل في القضاء كشف لي عن مفارقات مؤسية، ولم يكن تطبيق القانون ليسهم في إزالتها فكأن النصوص قشرة باهرة تغطي لباً واهياً· كنت في زمن الفورة الوجدانية لا أقتنع بالتدرج في التطور وأردّ الفتور في نهضة المجتمع إلى تفسيرات مادية بعينها تسطرها الكتب فنصدّقها أنا وأقراني ونأخذها مأخذ القول الفصل· وأورثتني تلك القناعة اعتقاداً بأن القانون الذي أطبقه ليس مرآة صادقة لحياة الناس، فكان تطبيقي العادل للنصوص يورثني شعوراً بالزيف، وبالتفاهة، لأنني أداة على القشرة لا في اللب، بل يورثني شعوراً بالذنب لأن جهدي لايخدم إلا سفاسف الأمور· بمثل هذا التضخيم، الذي لم أكن أجده آنئذٍ مبالغاً فيه، نظرت إلى دور القاضي في بلادنا، وكانت نظرتي مناقضة لواقع الحال ومنطق الأشياء· ومن هنا المحاصرة في حياتي العملية، قاضياً لأربع سنوات·
 
وكنت محاصراً في منزلتي في منزل الأسرة· فقطب البيت الوحيد هو أخي الأكبر جميل، وكان رجلاً كريماً· كريماً في بذله وكريماً في رعايته وكريماً في احترام الأخوين الآخرين، زكي وأنا، دون تدخل في التوجهات الفكرية أو في العلاقات الشخصية، لابل حتى ولا في أي شيء آخر· كان البيت فردوساً يرفل بالنعم إلا من نعمة الاستقلال المادي· لم تكن هناك منّة من أحدٍ على أحد· ولكن هوسي بالاستقلال في معيشتي كان قد أحالني، بيني وبين نفسي، إلى ضيف في المنزل ينشد الاستئذان بالمغادرة· ومن هنا المحاصرة في حياتي المنزلية، يافعاً وشاباً حتى السادسة والعشرين·

الصفحات