ي هذا الكتاب صورة قلميّة للأمير عبد الإله، الوصي على عرض العراق لمدة ناهزت عقدين من الزمن، حتى حدوث انقلاب الرابع عشر من تموز سنة 1958 في بغداد، كتب هذه الصورة القلميّة السكرتير الخاص في الديوان الملكي العراقي "عطا عبد الوهاب"، المعار من السلك الدبلوماسي إل
قراءة كتاب الأمير عبد الإله صورة قلمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الأمير عبد الإله صورة قلمية
الصفحة رقم: 2
المقدمة
من القواعد الذهبية في قراءة التاريخ، أننا كلما ابتعدنا عن زمن وقوع الحَدَث، كلما تسنّى لنا النظر اليه ببرودة أكثر وعقلانية أكبر·
لقد أتاح لي الاستاذ عطا عبدالوهاب مجال الاطلاع على الصورة القلمية التي رسمها للأمير عبدالآله، من معين معرفةٍ شخصية وثيقة، استمرت نحو عامين· ألفيتُ صورةً عميقة التقاطيع، تنبض بالحيوية والحياة، نتعرّف من خلالها على شخصية رجل كان صاحب المقام الأول في نظام الحكم، وصياً على عرش العراق، ثم ولياً لعهد مليكه فيصل الثاني، لفترة تقارب عشرين عاماً· هذه الصورة ليست تاريخاً، إلا أنها ترفد التاريخ وتلقى أضواء ساطعة على جوانب منه، وتساعدنا على مزيد من الفهم، وبخاصة لأن الكاتب روى ما شاهد وما عرف، بأمانة وتجرّد، مروراً بالجوانب الايجابية، وعدم اهمال للجوانب السلبية·
على خلفية هذه الصورة، أراني أحاول النظر إلى شخصية عبدالآلة، في نظاق المؤثرات الفاعلة التي تركت بصماتها في تكوين تلك الشخصية·
وحيد والديه بين أربع بنات· الأم ابنة عم زوجها، وكلاهما لم يُتح له مجال الخروج من الدائرة التقليدية للأسرة الهاشمية· كان والده، الملك علي، أقل اخوانه اطلاعاً على أحوال العالم ومعرفةً به· شقيقاه عبدالله وفيصل كانا عضوين في مجلس المبعوثان في استانبول، وقد اتسعت ثقافتهما في التردّد على القاهرة ودمشق· كلاهما خاض معارك الحرب في نجد وعسير· كلاهما خاض تجارب سياسية وعرف الأحزاب والحزبيين، بينما بقي علي منزوياً، يتبحر في علوم الدين، ولا يخوض كثيراً في أمور الدنيا· في نطاق هذه الأسرة المحافظة، نشأ عبدالآله محاطاً بالعناية الفائقة والتدليل·
تفتّح وعيه في ظل جدّه الحسين الكبير، زعيم الثورة العربية الكبرى، وحامل لواء القومية، وصاحب الطموحات الكبيرة في بعث أمة العرب وقيام الدولة القوية القادرة على أن تخلف الدولة العثمانية في المشرق· ولكن هذه الصورة الزاهية لا تلبث أن تتهاوى وتنهار، على حين غرّة، يوم شاهد الصغير عبد الآله، جدّه العظيم يغادر عاصمة ملكه، كسير الجناح· وتُلقى على كاهل أبيه ــ علي ــ أعباء الدفاع عن مملكة لا تملك من مقومات الثبات الا القليل القليل· وبعد سنة يُضطر الملك علي إلى الرحيل عن الحجاز، ويلجأ مع أسرته إلى العراق، يعيش في المنفى إلى جانب أخيه فيصل، في وقت كان المنقذ الأكبر يمضي سنواته الأخيرة منفياً في قبرص· هذه النشأة المضطربة، وما رافقها من دراسة غير منتظمة، تركت بصماتها في نفس عبدالآله، وهو يجتاز سنوات الصبى إلى مرحلة الشباب·
ويتولى غازي، ابن عمه فيصل، سدّة الملك، بينما يبقى هو، وريث التاريخ الضخم، والطموحات الواسعة، بعيداً عن دائرة النفوذ· حقاً، أصبحت شقيقته عالية، ملكةً للعراق، ولكن غازي، الملك وصاحب السلطة، لم يعره اهتماماً خاصاً·
ومضت سبع سنوات· وعلى حين غرّة تدخّل القدر مرة أخرى· فقد لقي غازي حتفه ذات ليلة، عندما ارتطمت سيارته بعمود كهرباء· وفي ساعات معدودة، تلفّت عبدالآله حواليه، ليجد نفسه وصياً على عرش العراق· فيا لها من مفارقة مذهلة، أن ينتقل في غمضة عين، من عتمة الظلال الداكنة إلى دائرة ضوء ساطعة يبهر ضياؤها الأبصار·
في موقع المسؤولية، موقع القوة والنفوذ، حيث يتطلع الآخرون اليك كي تقول: نعم، أو تقول: لا، اغراءٌ ومتعةٌ لا حدود لها· ورويداً رويداً يزداد الشعور بحضور الذات وأهميتها· فلا عجب أن يستمتع عبدالآله بما أخذ يملك من قوة ومكانة· الا تحمل الصور التي نُشرت له وهو يرتدي البزّة الرسمية البيضاء، ذات الأشرطة البرّاقة، والخوذة العالية ذات الريش المزركش - دليلاً على الزهو والاعتلاء؟
ولكن كان هناك جانب آخر لا بريق فيه· يحدثنا المؤلف عن غمٍّ يشبه السوداوية، كان يبدو أحياناً على قسمات وجه الأمير· ذلك الجانب كان راسخاً في أعماق النفس· الحسرة على الملك الضائع في الحجاز، الزيجات الثلاث دون أبناء وبنات· من يصدق أن عبدالآله كان لا يريد الانجاب؟ ثم فوق هذا وذاك: القلق من المستقبل، مستقبله الشخصي· عشرون عاماً وهو يتمتع بالسلطة، وبما تحمل السلطة من امتيازات· وها هو فيصل قد شبّ عن الطوق وأصبح ملكاً· وها هو يوشك أن يتزوج، ولن يلبث أن ينجب ولياً للعهد· وماذا بشأنه هو؟ أيعود إلى الفراغ، إلى الظلال الداكنة، مرة أخرى؟·