ي هذا الكتاب صورة قلميّة للأمير عبد الإله، الوصي على عرض العراق لمدة ناهزت عقدين من الزمن، حتى حدوث انقلاب الرابع عشر من تموز سنة 1958 في بغداد، كتب هذه الصورة القلميّة السكرتير الخاص في الديوان الملكي العراقي "عطا عبد الوهاب"، المعار من السلك الدبلوماسي إل
قراءة كتاب الأمير عبد الإله صورة قلمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الأمير عبد الإله صورة قلمية
الصفحة رقم: 3
وعندما نلقي نظرة شاملة عريضة على سيرة حياة عبدالآله، وصياً على العرش، ثم ولياً للعهد، فإننا نلقي تلك النظرة وفي الذهن مقولة الاستاذ عطا: إن فيصل الأول كان مثله الأعلى· ثم لا نلبث أن نتساءل: هل هناك وجه للمقارنة بينه وبين عمه فيصل؟
هناك محطات فاصلة في حياة عبدالآله السياسية· من أهم تلك المحطات عودته مع نوري السعيد وعدد من أركان العهد الملكي الأوائل، إلى بغداد، في أيار 1 4 9 1· هل يختلف اثنان في أن تلك العودة تحققت، نتيجة حملةٍ عسكرية شنتها بريطانيا على بغداد، من البصرة جنوباً ومن الحبانية شرقاً؟ كان يجدر بعبد الآله، ونوري ومن معهما، أن ينعموا النظر ويطيلوا التأمل في رؤية الوقائع الأساسية، الوقائع الماثلة في أذهان العراقيين· كانت الكراهية للانكليز في نفوس العراقيين عميقة الجذور، ابتداءً من ثورة 0 2 9 1 ومروراً بغرس الوطن القومي لليهود في فلسطين·
من الواضح أن ذلك الحَدَث الكبير، لم يُعالج بما يستحق من رويّة وبعد نظر· كان رشيد عالي والضباط يمثلون قضيةً ذات أهمية في نظر قطاع واسع من العراقيين· ومن هنا كان الحكم على الضباط بالاعدام، وتنفيد ذلك الحكم، خطأ سياسياً بالغ الأهمية بعيد الأثر· كم يتمنى المرأ لو أن عبد الآله جنح إلى العفو· الذين أُعدموا ــ ومن بينهم السبعاوي ــ أصبحوا شهداء في نظر جمهرة العراقيين· وقد عومل الشريف شرف بقسوة بالغة، لقاء الشهر الذي أمضاه وصياً على العرش، بديلاً لعبد الآله· أمضى أربع سنوات منفياً في روديسيا ثم أُلقي في أحد سجون بغداد، إلى أن توسط له الأمير عبدالله فانتقل الى عمان· كان يجدر بعبد الآله أن يذكر جهود الرجل في الثورة الكبرى وفي مقاومة الهجوم السعودي على الحجاز·
حدث في عام 8 6 9 1 أنني سألت الأمير زيد بن الحسين عن الأسباب الكامنة وراء انقلاب 8 5 9 1· كان الجواب بعد فيصل الأول ابتعد الحكام عن الشعب· صاروا لا يعرفون ما يريد الشعب· أعتقد أن هذا صحيح إلى حدٍ كبير (الدكتورة عصمت السعيد ــ زوجة صباح نوري السعيد ــ لم توافق على رأي الأمير زيد)· للانصاف، علينا أن لا نوجّه الملامة لعبد الآله وحده· نوري ــ بحكم تجربته الطويلة ــ أجدر بالملامة· لقد ظل وعدد من رجال فيصل الأول، يمارسون الحكم في العراق نحو أربعين عاماً متصلة· كان ذلك أمراً غير معقول وغير مقبول· ألا يأسن الماء اذا بقي راكداً؟ كان يجب تطعيم الحكم بدماء جديدة·
هناك أمر آخر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، ألا وهو الشعب العراقي· يُقال إن طقس العراق ــ الشديد الحرارة في الصيف، الشديد البرودة في الشتاء ــ يؤثر على طبيعة العراقيين· ثم ان العهد الملكي في العراق اتسم بالليونة· كثيرون اعتبروا تلك الليونة ضعفاً·
على ان الليونة تجاوزت حدودها المعقولة اذا قيست بالمسؤولية التي يتحملها الحكم· خذ مثلاً على ذلك أن باسل الكبيسي (موظف صغير في الخارجية) حاول في نيسان 8 5 9 1 أن يضع قنبلة في الطائرة الأردنية التي تقل وفداً أردنياً رفيع المستوى برئاسة رئيس الوزراء· ولكن شاء الحظ الحسن أن حدث بعض التأخير في موعد اقلاع الطائرة، فانفجرت القنبلة الموقوتة في سيارة الكبيسي نفسه· قال نوري السعيد: ليقم عبدالناصر بالتعويض عليه· وتُرك الكبيسي في وظيفته· ألم تبلغ الليونة هنا حدود الميوعة والاهمال؟ وبلغت نوري أقوال وتقارير عن لقاءات يعدّها بعض الضباط للقيام بانقلاب· وبدل أن تقوم الأجهزة المعنية بالتحقيق، اكتفى نوري بمخاطبة عبدالكريم قاسم قائلاً: أتتآمر علينا يا كروّمي؟ ونفى قاسم التهمة· ووقف الأمر عند ذلك الحد·
ثم ظهر التحدي الكبير في ظهور عبدالناصر، منادياً بالتحرر من هيمنة بريطانيا، يؤكد هذا بتأميم قناة السويس، ويتحدّى بريطانيا علانية وعلى رؤوس الأشهاد· هل نلوم العراقيين ــ الذين اكتوت قلوبهم بنار الانكليز ــ اذا ما هللّوا وكبروّا لعبد الناصر؟ هل نلومهم اذا ما نظروا بمقت وكراهية لفلسفة الحكم العراقي القائمة على السير في ركاب الانكليز؟
في سيرة حياة عبدالآله الكثير الكثير من عناصر المأساة· إلا أن المأساة المتعلقة بشخصٍ واحد، لم تكن إلا جزءاً صغيراً من المآسي التي ألمّت بالأمة العربية في القرن العشرين: مآسي التجزئة، والتمسك بها، مآسي العداوات الصغيرة والكبيرة بين أعمدة الحكم، مآسي الاجتهادات العرجاء والقرارات الهوجاء·
أخيراً ــ وليس آخراً ــ أشدّ على يدي الاستاذ عطا عبدالوهاب، اعجاباً بالصورة التي رسمها لواحدٍ من رجال التاريخ العرب· لقد برهن أنه الفنان الأديب والمفكر الطامح للتقدم والاصلاح· أشدّ على يديه للمحاولة التي يقدم عليها في نشر هذا الكتاب الجميل· وكل ما أرجوه أن يجد القارئ في صفحاته، ما وجدت من متعة وفائدة·
سليمان موسى
عمان، الأردن، أيلول 1 0 0 2