قراءة كتاب الأمير عبد الإله صورة قلمية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأمير عبد الإله صورة قلمية

الأمير عبد الإله صورة قلمية

ي هذا الكتاب صورة قلميّة للأمير عبد الإله، الوصي على عرض العراق لمدة ناهزت عقدين من الزمن، حتى حدوث انقلاب الرابع عشر من تموز سنة 1958 في بغداد، كتب هذه الصورة القلميّة السكرتير الخاص في الديوان الملكي العراقي "عطا عبد الوهاب"، المعار من السلك الدبلوماسي إل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
ما أن غادروا نيويورك حتى طويتُ تلك الصفحة ، بل مزقت العنوان الذي زودني به الأمير ، لكي لاتسوّل لي نفسي أن أبادر إلى استعماله · كنت لاأزال أرى أن العلاقات الشخصية مع رجال السياسة العامة قد تشوش الذهن، وتؤثر على النظرة الموضوعية إلى الأمور ، وقد تؤدي بالمرء من حيث لايدري إلى منزلقات في الرأي والعمل ، إذ تختلط عليه صفات الإنسان الخاص ونوايا الرجل العام فيحيد به هذا الاختلاط عن الرأي السليم في الشؤون العامة· لم يكن موقفي هذا وليد الساعة، بل كنا قد تشرّبنا به منذ نعومة أظفارنا، حتى أدى بنا الغلواء في مطلع الشباب إلى تحريم العلاقات الخاصة مع رجال الدولة، سواءً كانوا في الحكم أو خارجه، لئلا تؤثر العلاقة الخاصة، بما تكشف عنه من مزايا إنسانية طيبة، على الحكم على موقف الساسة وآرائهم في إدارة البلاد· كان ذلك التحريم تاماً بشكل لايسمح إلا بوجود لونين : الأبيض والأسود فقط، أما مابينهما من ظلال متدرجة فلا وجود لها، وهي إن وجدت صارت مدخلاً للانحراف· وكان هذا من مواقفنا الحدية، فالموقف الحدي عندنا من أساليب المقاومة السلبية· كنا في تمسكنا بهذا الموقف تمسكاً أعمى نتأثر بوعي أو بدون وعي بمؤثرات كثيرة ومختلفة منها حسن النية وتغليب العاطفة على العقل والرغبة في التمرد على كل ما هو سائد والطموح نحو حياة مثلى لاتعرف ما معنى الممكن لأنها لاتعترف بالمستحيل· ولعلنا كنا في كل هذا نقع فريسة سهلة ومؤاتية لفئات ظهر أنها كانت تُظهر خلاف ماتبطنه فتتمادى في بث التطرف في نفوسنا وتتخذ من سلامة طويتنا سلاحاً في معاركها الخفية والمعلنة ضد كل ما هو قائم في الدولة والمجتمع معاً· ربما كانت تلك الزيارة الملكية أولى الفرص التي تتاح لي لكي أعيد النظر بذلك الموقف الحدي بما ينطوي عليه من تجريد ملكة الحكم على الأمور من القدرة على التحكم بما يحيط بكل أمر من جوانب متعددة، دون إفراط أو تفريط· أجل، كانت فرصة تجلى لي فيها أن الحياة لايمكن أن تكون ذات لونين فقط، لونين متناقضين ومتضادين لاظلال بينهما ولا توافق· ودعتني نزاهتي الفكرية، وقد تحررت من كثير من مؤثرات المغالاة، إلى الاعتراف بالفصل بين النواحي الشخصية والنواحي العامة· ولكنه فصل بمقدار· فصلٌ يبقي كل جانب في موضعه وفي حدوده وفي معناه ومغزاه· ومن هنا تمزيقي للعنوان·
 
ومضت سنين عملت فيها في مكتب العراق الدائم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بمعية المرحوم عوني الخالدي، وكان يشغل رئاسة المكتب· وكثيراً ماناقشته، كما كان يفعل بعض المساعدين الآخرين، عن المواقف التي يتخذها في اجتماعات اللجان هناك تنفيذاً لتعليمات وزارة الخارجية مناشداً أن يتخذ مواقف مغايرة، فكان الرجل يستغرب ويقول لنا : أنا موظف تابع لحكومتي، ومن واجبي أن أنفذ تعليماتها، وينبغي أن يكون موقفكم كذلك، وإلا استقيلوا واشتغلوا بالسياسة وانضموا إلى المعارضة· فكنا بدورنا نستغرب موقفه، ولم نستقل، وأقمنا على معارضة تلك المواقف دون أن نحاسب لا من قريب ولا من بعيد· وكان المرحوم موسى الشابندر يأتي من واشنطن إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة السنوية، وعملت معه مساعداً في اللجنة السياسية الخاصة، وكان موقفه مشابهاً لموقف الخالدي· لم أسمع من الشابندر طيلة عملي معه لثلاث دورات متتالية، رغم تقاربنا الحميم والصميم، كلمة واحدة تمس نظام الحكم القائم آنئذٍ بسوء، أو تمس رجاله ملكاً أو أميراً، رؤساء أو وزراء· وإذا جاء ذكر أحداث 1 4 9 1 ارتسمت عليه علامات الحيرة النادمة دون كلام كمن يريد أن يمحو من ذاكرته حكومةً شارك بالمسؤولية فيها وزيراً لخارجيتها· لقد حل الشابندر في واشنطن محل عبد الله بكر الذي كان وزيراً مفوضاً قائماً بأعمال السفارة، وهو رجل فاضل، دمث في تعامله، كريم في سجاياه، مستقيم في سلوكه وفي تفكيره معاً· وقد اكتشفه الأمير عبد الإله أثناء الزيارة الملكية، وأعجب به، وكان يردد أمامي أنه يريد دائماً أن يضم إلى الديوان الملكي رجالاً من ذوي الكفاءة والنزاهة والسمعة الطبية، فنقل عبد الله بكر إلى الديوان الملكي في بغداد·

الصفحات