أنت هنا

قراءة كتاب إذا الأيام أغسقت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إذا الأيام أغسقت

إذا الأيام أغسقت

عنوان الرواية هذا هو، بحدّ ذاته، رمز لمكان كان مضيئاً ثم أخذ يدب فيه الظلام. المكان: جامعة في العراق، والظلام ينتشر في بلد الحضارات ويمتد إلى موقع تدريسها.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
توقفت اللقاءات الأدبية الأسبوعية، وذلك لأن عدداً من الذين كانوا يلتقون في دارنا تعرضوا الى قسط من الاضطهاد· فقد أسقطت السلطة الجنسية العراقية عن حسين مروة وعائلته، كانت تلك ضربة قوية سددت لعائلتنا وشعرنا بالخسارة باسقاط جنسية آل مروة، وكأن عضواً مهماً بُتر من جسد عائلتنا، إذ كنا عائلة واحدة، فإن غضبت العائلة على أحد أبنائها، كانت العائلة الأخرى تحتضنه·
 
كان الشاعر محمد مهدي الجواهري يتردد على دارنا بعد أن أطلق سراحه من المعتقل، وزارنا ذات ليلة، قرأ لنا قصيدة عن فتاة فرنسية اسمها أنيت كتبها على ورق لف السكائر الخفيف عندما كان معتقلاً في سجن أبوغريب· وللجواهري أسلوبه الخاص في قراءة الشعر، كان يعيد البيت الواحد ببطء مرتين قبل أن ينتقل الى البيت الثاني، وكانت حياة بدورها قد حفظت البيت فتعيده معه· وقد كتبت عن نفسها تقول وكنت أحفظ القصائد التي تلقى في الندوة بشغف وسرعة، ولذلك أستطعت أن أتذكر بعض أشعار السياب التي لم تنشر، والقصائد التي غيّر عناوينها أو الحادثة والسنة التي نظمت بها(3)
 
أضطر والدي بعد أن خسر وظيفته، الى مشاركة أحد الأصدقاء في فتح مخزنٍ، وكان نوع العمل شاقاٌ على والدي وهو غير معتاد عليه، واستغرق معظم وقته، كان مرهقاٌٌ جسدياٌ وفكرياٌ، يخرج من الصباح الباكر ولا يعود قبل العاشرة ليلاً· تغيرت أحاديثه عن الأدب والسياسة الى أحاديث غريبة عنه تماماً· كاكتشاف أسرار ترويب اللبن ونجاح تلك العملية التي تستغرق طول الليل، ليعرف في الصباح مدى نجاحها· بعد عام من العمل المتواصل المضني ترك المخزن، وخسر حتى الاكرامية التي حصل عليها بعد فصله من الوظيفة·
 
و لم تقتصر المعاناة على والدي وإنما شملت المعاناة جميع أعضاء الأسرة بمن فيهم والدتي، التي لم تكن مقتنعة وراضية عن اتجاه والدي السياسي·
 
كانت والدتي جميلة الوجه، مربوعة القامة، تميل الى البدانة، بسيطة في نظرتها للأمور، متدينة، تقوم بفروض الصلاة والصوم، مستقيمة الأخلاق، مخلصة في أداء واجباتها العائلية لدرجة انكار الذات، ربّت جميع أولادها على الصدق والتضحية وتحمل المسؤولية منذ نعومة أظفارهم· ظلت تتكلم اللهجة اللبنانية، ولم تستطع تعلم اللهجة العراقية طول حياتها· وبالرغم من الفجوة الفكرية العميقة بين والدي ووالدتي منذ زواجهما ومعارضتها للعمل السياسي الذي انخرط فيه أبي، فقد وجدت نفسها مضطرة في كثير من الأحيان لرهن مجوهراتها أو بيع قطعة أرض من الأراضي التي تملكها في لبنان، لكي تستطيع إعالة العائلة بالطريقة التي تعهدها·
 
أما عمي مرتضى فقد اشتغل محرراً ليلاً في احدى الصحف المحلية، ليتمم دراسته في كلية الحقوق صباحاٌ· كان لا يعود قبل منتصف الليل، مرهقاًٌ منهكاًٌ من عمله المتعب، ولم يعد ذلك العم المرح الذي يقضي جزءاً من وقته الثمين معنا بتوجيهنا والاشراف على تعليمنا وقراءة القصص لنا·
 
عاد والدي الى التعليم في المدارس الخاصة، فكان يلقي المحاضرات في مدرسة شماش للجالية اليهودية صباحاً وكان له تأثير كبير على الطلبة، واعتبر هو وحسين مروة من أهم الناطقين بمفاهيم اليسار في عالم الأدب والثقافة· يصفه البروفسور ساسون قائلاً:
 
كنا نحن الطلاب نتابع ما ينشر أستاذنا بكثير من الفخر والاعتزاز، أما دروسه فكان كل واحد منها مغامرة روحية بالنسبة لي وللعديد من الطلبة من أصدقائي· كان الأستاذ شرارة رجل أدب من أم رأسه الى أخمص قدميه، ولكن الأدب عنده لم يكن مجرد كلمات جميلة انتخبتها قريحة خلاّقة· كان رغم اهتمامه بالعناصر الفنية في النص، يؤكد دائماً على ما يمثله الأدب، قديمه وحديثه، من خلفية اجتماعية وصراع طبقي وثورة على الحياة الذليلة ! على الاستعمار والاستغلال والعبودية· كان رغم كل الظروف السياسية القاسية، لا يفتأ يتحدث عن الثورة والأدب الثوري، فإذا نشر الجواهري رائعة جديدة من روائعه فسرعان ما كان يقرؤها الأستاذ شرارة على طلابه في الساعات المخصصة لدراسة الأدب(4)
 
كذلك أخذ يدرّس في مدرسة (الجعفرية) مساءً· وبالرغم من العمل المرهق وكثرة عدد ساعات التدريس، والتصليح الذي استهلك معظم أوقات راحته وانتاجه الفكري، فقد شعر بارتياح، لأنه عاد الى جو يعرفه·

الصفحات