عنوان الرواية هذا هو، بحدّ ذاته، رمز لمكان كان مضيئاً ثم أخذ يدب فيه الظلام. المكان: جامعة في العراق، والظلام ينتشر في بلد الحضارات ويمتد إلى موقع تدريسها.
أنت هنا
قراءة كتاب إذا الأيام أغسقت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
هكذا مرّت سنوات طفولة حياة، كانت تراقب عن كثب ما حلّ بالعائلة من جور وظلم، وكيف شُتّت الأصدقاء والمعارف، فانخرطت في العمل السياسي، وهي ما زالت بريعان الصبا، مندفعة بعاطفة جارفة لمحاربة التعسف والظلم، ومتطلعة الى حرية الانسان وتحطيم قيوده· وبرز ذلك واضحاًٌ في روايتها وميض برق بعيد التي جاء فيها:
لو يستطيع الانسان ان يحطم القيود الاجتماعية التي تلتف حوله كالحبال الغليظة لصار شخصاً مغايراً تماماً لما هو عليه··· نحن نتّهم وندان في محكمة المجتمع دون ان نعطى فرصة لسماع رأينا والدفاع عن انفسنا(5)
كان الحزب الشيوعي يمثل القاعدة التي دافعت ضد الظلم الاجتماعي، وكان بحاجة آنذاك الى رفدٍ من الشباب المتحمس المؤمن بنظريته، وكانت حياة خير مثال لهؤلاء· رُشحت ولم تبلغ السابعة عشرة من العمر، لحضور مؤتمر السلام الذي عقد في براغ عام 1952، وسافرت الى شيكوسلوفاكيا لحضوره·
بعد سفر حياة بفترة وجيزة، حدث ما يعرف بـ انتفاضة تشرين في 23 تشرين الثاني 1952 التي طالبت بالغاء معاهدة 30 وتعديل قانون الانتخابات· واشتعلت الشرارة الأولى بسبب فصل أربعة طلاب من كلية التجارة في جامعة بغداد، وجُندّ طلبة الكليات بالدفاع عنهم وطالبوا باعادتهم، وعندمارفضت هذه المطالب، أقدموا على التظاهر ونزلوا الى الشارع، والتحقت بهم فئات أخرى من الشارع، فجوبهوا بقسوة من قبل الشرطة، وأعلنت الأحكام العرفية، وألقي القبض على عدد كبير من الطلبة والمفكرين اليساريين، واختبأ والدي في مدينة النجف، عندما داهمت الشرطة الدار لالقاء القبض عليه، وبعد أن فتشت وبعثرت أوراقه وكتبه، لم يجدوا إلا أخي إبراهيم البالغ من العمر الرابعة عشرة، فأُخذ بدلاً عن والدي، وأودع المعتقل لمدة أربعة ايام، ولم يطلق سراحه إلا بعد زيارة لـبهجت العطية مدير الأمن العام آنذاك، الذي كان له معرفة بوالدي، ولكنه لم يكن راضياً عن تفكيره وسلوكه السياسي ·
حكم على والدي من قبل محكمة عرفية لمدة عام، لانتمائه الى منظمة أنصار السلام وتوقيعه برقية احتجاج ضد الشيشكلي، وعلى ما نشره من مقالات في تلك الفترة·
قررت سلطة السجن نقل السجناء السياسيين وابعادهم عن بغداد، وعندما رفض السجناء نقلهم الى سجن بعقوبة، وعدم امتثالهم للأمر، شنت ادارة السجن عليهم حملة واسعة، وأطلقت الرصاص عليهم، فسقط على أثرها ثمانية سجناء وجرح عدد كبير منهم· كان والدي من بين الجرحى، ولم يسمحوا لنا بزيارته إلا بعد شهر، وعندما زارته والدتي كان لا زال مرتدياً البجامه المضرجة بالدم اليابس الذي تحول لونه الى احمر بني، لم يكن باستطاعة والدتي كبت عبراتها، فاغرورقت عيناها بالدموع، وسالت على وجهها، وهزّ منظرها والدي، فنظم فيها قصيدة بعنوان (دموع ··!) ومنها قوله:
دموع أم ظلال من حنان
مطلات من المقل الرواني
دموعك يا أميمة غاليات
فصونيها مع الألم المصان
ولا تتنهدي، فالسجن مهد
تهز به جبابرة الزمان
و لو عرف الذين به لتاهت
مبانيه على أسمى المباني
و تاه على الكواكب كبرياء
بما ضمت جوانحه الحواني(6)