أنت هنا

قراءة كتاب مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره

مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره

"مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره"، هذا الكتاب هو رحلة فكريّة بين السطور، نعبر بها محيطات وبحاراً، ونرسو دائماً في مرافئ تزوّدنا بالحياة والحرية والعدالة. وما بين مرفأ ومرفأ، نواجه عواصف وأنواءً فكرية تسكن وجداننا..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
التمرد والميتافيزيقيا
 
من القضايا الهامة التي تطرح قديماً وحديثاً في الكتابة الأدبية والفكرية، هي قضية التمرد والثورة، وقدرة هذين المفهومين على التأثير إلى جانب ارتباطهما ببعضهما أو عدمه· ونحن لا نستطيع هنا إلا أن نذكر الشعراء الصعاليك في تراثنا العربي، الذين تمردوا على قانون القبيلة وسمو بعد ذلك بالشعراء الصعاليك· وقد حاولوا أن يبنوا مجتمعاً آخر، ولم يكتفوا بالشعر ليعبروا عن أفكارهم، بل تعدوا ذلك للفعل بالأخذ من أموال الأغنياء وتوزيعها بالتساوي على المحتاجين·
 
وبالرغم من أن البعض قد أضفى الصفة الفلسفية المطلقة على التمرد، تلك الصفة التي آمن بها الغرب الأوروبي في فترة الحرب العالمية الثانية، نتيجة للظروف القاسية والمؤلمة التي عاشها الإنسان سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ودينياً، إلا أنني أضيف صفة التمرد على الإنسان الثائر ضد الظلم الجماعي أياً كان·
 
فالإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض، لبس صفة التمرد لبناء المجتمع· وأقصد هنا التمرد الإيجابي وليس السلبي، لأن التمرد ضد الإنسانية يعتبر ارتداداً وليس تمرداً· فالربط بين التمرد والثورة بصفته الإيجابية سيؤدي حتماً إلى الثورة لصلاح الإنسانية·
 
أما قضية التمرد الآخر الفلسفي رغم بعدها عن واقعنا، والتي أكثر ما تظهر لدى الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو في كتابه المتمرد، إنما هو قضية صراع فكري في كيفية التمييز بين عنف الجلاد وعنف المسحوقين، هذه هي قضية التمرد عند كامو لذلك نراه يتساءل فيما كتبه:
 
هل بوسعنا دون الرجوع إلى المبادئ المطلقة أن ننجو من منطق الهـــدم ؟·
 
من هذا التساؤل نستطيع أن نستشف مدى الصراع الفكري بين الحرية الفردية وحرية الجماعة عند كامو· ولهذا الصراع جذوره التي بدأت بكتابته لأسطورة سيزيف التي اقتبسها من شخصية بروميثيوس في الأسطورة الإغريقية· فالاثنان برومثيوس وسيزيف حكم عليهما من قبل الآلهة أن يبقيا مقيدين إلى صخرتهما· لكن الأسطورة الإغريقية تقدم برومثيوس ثائراً متمرداً على الطبيعة المفروضة، فيسرق النار من الآلهة ليحرر البشر جميعاً، ثم ينتصر على الظلم ليبدأ بمجتمع جديد وبنظام للعدل الجماعي والحرية الإنسانية·
 
أما سيزيف فهو متمرد من نوع آخر، هو يعي كل التفاصيل لعدمية الحياة، أما بالانتحار وأما بالهرب إلى منافذ السعادة والفرح المؤقت، وكلا الحالتين تؤديان به إلى العبث، عبثية أن تكون الحياة جديرة بأن تعاش·
 
هنا يبرز الفرق بين التمرد الإيجابي لدى برومثيوس والتمرد السلبي لدى سيزيف، يقول كامو في أسطورة سيزيف: الحقيقة أنني ما عدت أستطيع أن أعاني وأكون محقاً ويكفي هذا لنفهم ما قصده كامو، والمعروف عنه أنه كان لتحوله العقائدي أثر كبير على فكره وأدبه، حيث ظهر هذا بعد أن تحررت فرنسا·
 
فإذا قارنا بين عملين له تأملات في العنف ولا ضحايا ولا جلادون نرى أنه في العمل الثاني، وبعد تركه لمواقفه الفكرية السابقة، بدأ الهجوم على نظريتين فكريتين سادتا أوروبا آنذاك هما:

الصفحات