أنت هنا

قراءة كتاب هناك في سمرقند

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هناك في سمرقند

هناك في سمرقند

رواية "هناك في سمرقند"؛ للكاتب الفلسطيني أسعد الأسعد، الصادرة عام 2012 عن دار الجندي للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 1
الفصل الأول
 
على مقعد من خشب الفستق الفارسي القديم، يتحدث العامة في حواري سمرقند، إنَّ الأمير تيمور، كان أحضره معه من ضواحي مدينة الموصل، حيث ضريح النبي دانيال، ويردد أهل سمرقند إنَّ النبي دانيال كان يستريح عليه، ويجلس هناك ساعات طويلة للتأمل والتهجّد.
 
ألقى "علي شير" بجسده المنهك من عناء سفر طويل، متأملاً عمامة خضراء لا يمسّها إلا خادم الضريح "بختيار" من حين لآخر، ينفض الغبار عنها، ويعيدها إلى مكانها في الزاوية الجنوبية المقابلة لرأس الضريح، أما الضريح نفسه، فقد لف بقماش أخضر من حرير كان يعتني به أحد أشهر الخياطين في سوق الحرير، المحاذي لسور المدينة، قرب زقاق الهال، ليس بعيدًا عن مقبرة شاه زند المتراصّة الأضرحة والقبور، تزينها غابة من القباب الزرقاء، حيث بُني أول ضريح بعد عشر سنوات من دخول المسلمين مدينة سمرقند، حين دخل قتيبة بن مسلم وادي فرغانة، وأخضع خوارزم، وقشقدرياه، وقرشيه، والمنطقة بأسرها لحكم الخليفة العباسي سنة (751) ميلادية.
 
بدأ زوَّار الضريح يقبّلونه وينسحبون، حتى كاد المكان يخلو من الزوّار إلا القليل. أما "إليشير"، وهو الاسم الذي اعتاد أهل سمرقند مناداته به، منذ استقر في المدينة، فقد لزم مقعده، وجلس منتظرًا خلوّ المكان من الزائرين.
 
تقدم "أليشير" من الضريح. التفت حوله، كأنما يتأكد من أنَّ أحدًا لم يعد في المكان. اقترب من عمامة النبي دانيال، وراح يهمس:
 
- جئتك من بلاد الرافدين، بل من أقصى شمال العراق، من الموصل يا مولاي. ذهبت إلى "شوش" في أقصى شمال غرب بلاد فارس، التي يسمونها اليوم إيران، لكنهم أرسلوني إلى الرملة في فلسطين، غير أنَّ أهل قرية دانيال قرب الرملة أرسلوني إليك، هنا في سمرقند. أعرف أنك راغب في السؤال عن سبب ترحالي، وسؤالي عنك في كل البلدان، وعن سرّ اهتمامي بأمرك. سأقول لك يا مولاي، سأقول...
 
جال ببصره المكان. مدَّ يده إلى جيبه حين تأكد من خلو المكان من الزائرين، وأخرج ورقة صغيرة، كأنها حجاب أو تعويذة، أو جزء من ورقة من كتاب قديم. كل ذلك وغيره لم يعد يهمه. جل ما يريده فك لغز هذه الورقة.
 
- مولاي، إنْ كان ما وجدته في الموصل صحيحًا، فإني أسألك: كيف طاوعك قلبك أن تسمح للأمير تيمور بدخول بغداد، واستباحة حواريها؟ حين جاءك ليلاً متخفيًّا بزي عربي، وتسلل إلى ضريحك في الموصل مستأذنًا بدخول بغداد، كما أشار عليه بعض معاونيه ومستشاريه، وحذروه من دخول بغداد من دون أن تأذن له.
 
كيف فعل تيمور ذلك، وهو الذي كان يعلم بما فعله التتار من قبله ببغداد ودمشق، وسائر بلاد المسلمين. كيف استجدى إذنًا من رجل مات قبل مئات السنين، يرقد لا حول له ولا قوة؟
 
تقول الأسطورة: إنَّ الأمير تيمور خبّأ الرقيّة في شق قريب، ودفعها إلى آخر الشق حتى لا يلحظها أحد فيلتقطها، وتقول الأسطورة أيضًا: إنَّ الأمير تيمور، تنكّر بزي عربي، وتسلل ليلاً إلى الضريح يستخيره لدخول بغداد، بعد أن حذره بعض معاونيه بألا يدخل بغداد دون طلب الأذن من دانيال. تردد في البداية، لكن ضعف الإنسان أدخل الرعب إلى قلبه، فجاءه، وكان ما كان، ولو لم يفعل ذلك، كانت نهاية جيشه على أسوار بغداد ولم يدخلها أبدًا. أرعبته الفكرة. استأذن دانيال، فأذن له.
 
- كيف طاوعك قلبك وفعلتها، لماذا أذنت له؟
 
- لو كانت بغداد بأيدٍ أمينة ما كان لتيمور أن يدخلها. أنت تعرف حال بغداد قبل دخول تيمور، أيها العربي، فلماذا تلوم دانيال؟
 
التفت "أليشير" إلى ناحية الصوت. اعتدل في وقفته حين وقع نظره على خادم الضريح "بختيار" متقدمًا نحوه.
 
- أثرت اهتمامي منذ أن رأيتك جالسًا أمام الضريح. لم تبرح مكانك ساعات طويلة. قلت في نفسي: غريب أمر هذا الرجل. أنت لست سمرقنديًّا، وملامحك غريبة عن الوادي، فمن أين أنت أيها الفتى؟
 
- أنا من بلاد الرافدين يا سيدي.

الصفحات