أنت هنا

قراءة كتاب الملوك الهاشميون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الملوك الهاشميون

الملوك الهاشميون

في هذا الكتاب يستعرض المؤلف جيمس موريس، تاريخ العلاقة بين الهاشميين والبريطانيين منذ بدء الثورة العربية، ونشوب القتال في صحارى الحجاز، إلى عهد الملوك العِظام في العراق والأردن، حتى يصل إلى مذابح بغداد عام 1958.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
أما بالنسبة إلى مقام صاحب الجلالة الشاهانية السلطان عبد الحميد الثاني، فقد كان الحجاز على جانب كبير من الأهمية. فهذا الطاغية المخيف والعطوف في آنٍ واحد، والذي لم ينل أي سلطان تركي، ما ناله من الكراهية العالمية، كان يعمل على فكرة «جامعة إسلامية شاملة». وكان يسعى إلى أن يعيد لمركز الخلافة ما كان لها من سلطة ضخمة في الماضي، ويستعيد بواسطتها سيطرته على المسلمين في كل مكان. ولكي يمد في شهرته كأمير للمؤمنين، حاك عبد الحميد حول نفسه أساطير من الورع والتقوى والإحسان، ووزع الصدقات الضخمة، وقرب رجال العلم والدين، ورمم المساجد وجدّد بناءها، وسلك مسلك «ظل الله على الأرض». وظل طيلة مدة خلافته يرعى الحجاز بعين ساهرة كما كان بابا روما يرعى مدينة القدس دائماً. وعلى الرغم من أنه كان يجد دائماً، وبين آونة وأخرى، من الضرورة بمكان أن يمارس تعيين الشريف الأكبر، إلا أنه حاول جهده دائماً تجنب وقوع خلاف بينه وبين الهاشميين الذين كان لهم من الناحية الدينية حق أكبر من حقه في الخلافة.
 
فقد سمح بالترتيب الذي يجعل ممثله الإداري في الحجاز - الوالي - يقتسم المسؤولية الإدارية مع الشريف الأكبر في شكل من أشكال الحكم الثنائي. وقام بتجديد الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، ولبى طلبات الملكة فيكتوريا فأصلح الطرقات في الحجاز. وأهم من هذا كله، فقد عهد إلى المهندسين الألمان في عام 1901 بإقامة سكة حديد الحجاز، رابطاً دمشق في الشمال بالبلاد المقدسة. وتبرع هو، كدليل على ورعه وتقاه، بمبلغ خمسين ألف جنيه من جيبه، للبدء بالمشروع، ودعا المؤمنين في كل مكان إلى مشاركته في هذا التبرع، مضيفاً إليه اقتطاع عشرة في المائة من مرتب كل موظف وجندي في الإمبراطورية للمشروع. ومن المحتمل أن لا تكون مزاعم عبد الحميد بالتقوى والورع قد أقنعت المسلمين من رعاياه، بالنظر إلى ما يعرفونه عنه من بطش واستبداد. لكنها قُبلت قبولاً حسناً لدى المسلمين في الخارج، الذين تبرعوا بأكثر من مليون جنيه في الحال. وقد تم بناء الطريق الحديدي بواسطة جيش من الأتراك والألمان والطليان واليونان والألبان والعرب، وفي عام 1908 وصل الخط إلى المدينة.
 
وباستطاعتك أن تسافر الآن على هذا الخط في بعض أجزائه. وأن ترى قاطراته القديمة، تئز بصفاراتها في دمشق وعمان وأن تتجول بين محطاته التي بنيت على طراز شرقي مزخرف، معبراً عن غرائز الباشاوات، وميولهم. وعلى الرغم من أن هذا الخط لا يتعدى الآن حدود الرمم الباقية، إلا أن من السهل عليك أن تتخيل ما كانت عليه فكرة إنشائه من نبل وبُعد إدراك، في أيام قوافل الحجيج، يضاف إلى هذا كله، أن المشروع لم يضفِ على عبد الحميد هالة دينية فحسب، بل أمّن له أيضاً طريقاً عسكرياً، يستطيع بواسطته إرسال الفِرَق للقضاء على كل فتنة أو رد كل عدوان. وبينما كانت يدا الخليفة متشابكتين في الصلاة، كانت قبضة السلطان تقوي إمساكها بذلك الجزء من الإمبراطورية.
 
وعلى الرغم من بُعد نظر السلطان، فإن الولايات العربية ظلت مصدر قلق بالنسبة إليه. وقد عارضت قبائل الحجاز معارضة عنيفة في إكمال الخط الحديدي، الذي يحرم أفرادها من موردهم كأصحاب إبل يؤجرونها للحجيج، ولم يسمحوا بوصوله إلى مكة. وواصلت اليمن إظهار العداء السافر ضد السلطنة. كما أن الإدريس القوي، حاكم عسير، وقف علناً في وجه الأتراك. أما أمراء الخليج (الفارسي) فقد حالفوا البريطانيين في الوقت الذي تجمّع فيه أمراء الداخل، محتفظين بنوع من الاستقلال، ففي نجد مثلاً، قلب الجزيرة العربية، كانت عائلة ابن سعود الوهابية، تزحف نحو السلطة، وفي عام 1908، ارتقى مركز الشرافة الكبرى في مكة، هاشمي ذو خلق حاد كالإبر، يخضع لعظمة الأتراك في الوقت نفسه الذي يحس فيه بحقوق العرب.
 
وكان الحسين بن علي الحفيد السابع والثلاثون للرسول (ﷺ) قد قضى نحواً من خمسة عشر عاماً في القسطنطينية كأسير لدى السلطان. ولم يكن هو الوحيد في هذا الامتياز المحزن. فالخليفة السلطان، كان طاغية بكل ما في الكلمة من معنى، وقد ورث عن آبائه جميع مكائد الحكم الاستبدادي التي منحت للباب العالي خداعه الشرير. فالقسطنطينية في عهده، كانت بلداً يحكمها الأغوات والخصيان، وفيها كثيراً ما تلقى النسوة الخائنات مصيرهن في أعماق البوسفور بعد وضعهن في أكياس يُقذف بها إلى اليم، وفيها أيضاً تدار سياسة الدولة بمختلف أنواع المكائد، والوسائل الغريبة.
 
وعندما قام اللورد فيشر بزيارة القسطنطينية على رأس الأسطول البريطاني في البحر المتوسط، قدم السلطان عبد الحميد للأميرال، صبياً صغيراً كهدية منه إليه، وعندما رفض الأميرال الهدية، كانت نظرة السلطان إليه لاذعة قاسية، لكنها سرعان ما زالت عندما صعد السلطان إلى بارجة الأميرال فأدت له التحية ثلة من البحارة وكلهم من الفتية الشقر الشعور، المتوردي الخدود، وعلى الرغم من أن عبد الحميد كان يتمتع بمزايا بارزة، إلا أن سمعته الدموية، وما عُرف عنه من طغيان وقسوة، قد أوحت بأنه كان رجلاً كثير الذعر والخوف. فقد عاش في قصر محصن، يخدمه فيه نحو من ثلاثة آلاف موظف. وكان الخدم يرتجفون عن وعي وإدراك، عندما يقتربون من حضرته، ليقدموا له الشاي في الأقداح المصنوعة من الذهب الخالص، وفي قصره ثلاثمائة موسيقي يعزفون له عندما يريد، ومائتان وتسعون مرافقاً عسكرياً. وعند زيارة الأسطول البريطاني أهدى بحارته (640) ألف سيجارة من مخازن قصره.
 
لكنه كان دائم الخوف، فقد حرّم تمثيل المسرحيات التي يُغتال فيها الملوك، ورفض لمدة طويلة إدخال الكهرباء إلى قصره، لأنه ظن أن للمولدات التي تنتج القوة الكهربائية علاقة بالمتفجرات بالنسبة إلى تشابههما في اللفظ الإنكليزي (دينامو، وديناميت). ويقال إن موظفي المراقبة الذين عيّنهم عبد الحميد قد حذفوا من كتب الكيمياء التي تدرس في المدارس معادلة الماء (H2O) لأن الحرف الأول يرمز إلى عبد الحميد الثاني والحرف الثاني يرمز إلى العدم أي الصفر. وفزع السلطان أكثر ما فزع من التخريب والعصيان والاضطرابات السياسية، والمقاطعات الثائرة، والولاة الطامحين. وتجول في أنحاء الإمبراطورية، بالنيابة عن السلطان، جيش من عيونه وجواسيسه قـُدِّر عدده بنحو من ثلاثين ألفاً، يقومون باشتمام أي تبرم، ويحيكون المؤامرات الثأرية، بأقسى ما عُرف من وسائل. لقد كان السلطان قاسياً، وأتباعه كذلك.

الصفحات