أنت هنا

قراءة كتاب الملوك الهاشميون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الملوك الهاشميون

الملوك الهاشميون

في هذا الكتاب يستعرض المؤلف جيمس موريس، تاريخ العلاقة بين الهاشميين والبريطانيين منذ بدء الثورة العربية، ونشوب القتال في صحارى الحجاز، إلى عهد الملوك العِظام في العراق والأردن، حتى يصل إلى مذابح بغداد عام 1958.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
وفي مكة، استقبل الأمير استقبالاً رائعاً، يتقدمه نبلاء المنطقة، وقاضي مكة، ونائب الأمير، والوالي وقائد الجيش، وزعماء قبائل عتيبة وحرب وغيرهما، وتلقى تهنئتهم جميعاً. ثم قام بأداء العمرة. وأدى الصلاة في الكعبة المشرفة، وشهد جلسة عامة استمرت حتى الليل. لكن ولده الثاني عبد الله. أكثر الأمراء انسياباً كالزئبق، اعتذر عن الجلسة، والرسميات، وذهب إلى فراشه مبكراً.
 
وإذا كان أي من متفائلي الأتراك قد افترض، بأن الشريف الأكبر الجديد، سيكون ليناً هشاً، فقد أخطأ التقدير، وعندما أبحر الشريف من القرن الذهبي، سلمت إليه رسالة تتضمن تعليمات الحكومة، مذكِّرة إياه بالعرى الوثيقة بين دار الخلافة والحجاز. وكتب الصدر الأعظم في تلك الرسالة يقول: «احمل أعباء واجباتك العظيمة وفقاً للتقاليد، ليس من واجبي أن أذكرك بأن جلالة السلطان والباب العالي يعتمدان عليك». لقد كانت هذه الرسالة أشبه بالتعليمات التي يوجهها ناظر مدرسة إلى عريفها لتشجيعه. لكن العريف في هذه المرة برهن على أن له برنامجه الخاص، وأنه لم يكن ليأبه كثيراً، بالروح المدرسية. لقد كان رجلاً له كبرياؤه وفرديته، ومع هذه الشخصية شعاع مبصر من العقل اللماح.
 
وفي العام التالي، خُلع السلطان عبد الحميد عن عرشه بعد انقلاب عسكري، ونُفي من عاصمته ليقضي بقية أيامه مع قطته المفضلة ومع بعض من نسائه البالغ عددهن 213 جارية. ورفع الاتحاديون إلى العرش، شخصية نكرة، لا قيمة لها، بينما احتفظوا بأيديهم بكافة وسائل السلطان. وكان أساس سياستهم الإمبراطورية الجديدة تتريك جميع الشعوب الخاضعة لهم. وكان العرب قد هلـّلوا للاتحاديين في بداية الأمر، على ضوء ما جاؤوا به من آراء متحررة جديدة، ولكن الآن، ولم ينقض ِ شهر العسل بعد، فقد تبين للعرب المثقفين أن الأخوّة العثمانية على الأسس التي يدعو إليها الاتحاديون، ستعني نهاية الحضارة العربية. وسارع العرب إلى العمل المعاكس فوراً، فتألفت في مصر وسوريا وباريس وتركيا نفسها جمعيات سرية، تعمل ضد هذه الفكرة.
 
أما في الحجاز فإن الحسين بن علي، بعد فترة من التعاون الذي يمليه الواجب، أبدى أسنانه الذهبية مكشِّراً عنها. فقد اكتشف أن الكثير من امتيازات الشريف الأكبر قد سُمح لها بأن تنام (لاسيما وأن سبعة من الأشراف قد تولوا المنصب خلال الخمسين سنة الماضية بسبب الوفاة والإقالة) فعزم على إحيائها من جديد. وفرض سلطانه على زعماء القبائل، وقام ببعض الأعمال على حدوده الشرقية. وأبرز في مكة سمعة الشرفاء، حتى قيل إن أكثر من ثلاثة آلاف شخص كانوا يومياً يتناولون القهوة في ديوانه. وسلك سلوكاً صحيحاً ولكن بارداً مع أصحاب السلطة الجدد في تركيا، خالقاً نوعاً من التوازن الدقيق بين الإذعان والعصيان. وعندما قابله نفر من الأعضاء المحليين لجمعية الاتحاد والترقي معربين عن أملهم في قيام إجراءات إصلاحية في طريقة الحكم في الحجاز على أسس عصرية متمدنة ثار في وجههم قائلاً إن الحجاز هو أرض الله، وإن الحكم الوحيد الذي سيظل سائداً فيه هو شريعة الله، وقانونه السماوي وتعاليم رسوله العظيم، وأكد أن أي قانون آخر، مهما وضع في تركيا من قوانين، لن يسري مفعوله على الحجاز. وخرج الاتحاديون من حضرته حائرين مرتبكين، لا يدرون ما يعملون، كما يخرج أي أستاذ مدرسة تجرأ فناقش أحد الكرادلة في مسألة دينية في حضرته. وأخيراً دبّ الشجار بين الشريف الأكبر وبين شريكه في الحكم، الوالي التركي للحجاز، ورفض الشريف أن يعتذر إلى الباب العالي رافضاً إطاعة العديد من الأوامر الإدارية وإجراءات البروتوكول، كما أصر على رفض إكمال السكة الحديدية من المدينة إلى مكة، التي سبق للقبائل أن عارضت في إتمامها.
 
وأخيراً رفض الحسين، رفضاً باتاً، قراراً تركياً جديداً، يقضي بأن يفقد الحجاز مركزه الممتاز، وأن يصبح كغيره من مقاطعات الإمبراطورية، خاضعاً للتجنيد الإجباري وللسلطة المركزية، ولما كان من الواضح أن الشريف حسين، لن يرضى بمثل هذه الخطوة التي تضيع على عائلته نفوذها ومسؤولياتها، فقد كان هذا القرار، بمثابة إنذار إليه، بالعزل من منصبه، وبإلغاء الإمارة، وإنهاء عهد الأسرة الهاشمية مرة وإلى الأبد. وعلى الأثر، أحدث هذا القرار رد فعل عنيفا في البلاد المقدسة، ولاسيما لدى الشريف الأكبر نفسه، وسارت المظاهرات محتجة في الشوارع. واختـُطف القائد التركي لقوات الدرك اختطافاً مهيناً، وأعلن الشريف، أنه لن يتخلى عن مركز سلطانه، حتى تصل الباخرة التي ستنقله إلى منفاه، ميناء جدة. وتتحدث الروايات عن أن الجماهير كانت تهتف دائماً، طيلة هذه الأيام: «عاش الأمير، إننا نريد حقوقنا». وشعرت الحكومة التركية، بالنظر لما بدا في الوضع من خطورة، ومن الحسين من تعنت وصلابة، ومن الشعب من عطف وتأييد، بأن الحكمة تقتضي منها التراجع. وأعلنت الحكومة التركية، أن الإمارة لن تـُلغى، وأنها لم تفكر قط بالقيام بمثل هذه الخطوة، وأن الشريف الأكبر سيحتفظ بسلطانه وحصاناته. وعندما قام عبد الله بزيارة القسطنطينية بعد قليل، أكد له المسؤولون هناك، أن الموضوع كان مبنياً على سوء تفاهم، وأن الحكومة لم يدر بخاطرها، قط، أن تمس كيان الحجاز، أو تتخلص من والده الشريف حسين. لكن الأمير الشاب، تلقى هذه التأكيدات بنوع من الاستهزاء الساخر، وعامل الاتحاديين بما عُرف عنه دائماً من حذر بالغ.
 
وأصبح معروفاً، لدى من يقرأون الطوالع، أن للشريف الأكبر مطامح تفوق شرافته وامتيازاته في الحجاز. وبدلاً من أن يخوض في سياسة توحيد الشعوب العثمانية في عنصر واحد كما كان يدعو إليها الاتحاديون. جالت في خاطره فكرة الاستقلال الذاتي، إما لتلك الرقعة من الجزيرة العربية التي يقيم فيها، أو لكافة الولايات العربية في الإمبراطورية، التي تمتد من سوريا إلى اليمن. وكغيره من العرب الذين كانوا ينظرون آنذاك بعين الحب والإجلال لتركيا، لم تتعد مطامحه، في ذلك الحين، حدود الحكم الذاتي، ولكن سرعان ما تطورت فيما بعد إلى الاستقلال الكامل. ولم تكن مثل هذه الآراء الجريئة لتنمو، في تلك الأيام في الحجاز، الذي حكمت طبيعته، بأن يكون معقلاً للفكرة المحافظة، وأن يكون من أشد أجزاء الإمبراطورية ولاءً للسلطان، ولكنه الآن، تمكن بوسيلة أو بأخرى، من إقامة اتصالات وروابط مع الجمعيات العربية الوطنية السرية في الشمال، التي كان أعضاؤها قد أخذوا يعرضون لبطش الأتراك. ولا ريب في أنه قد لعب دوراً غريباً في هذه العمليات العسكرية البدائية ضد تركيا. وعلى الرغم من أن نجله عبد الله، كان قد عاد الآن إلى القسطنطينية ليمثل مكة في مجلس المبعوثان. وعلى الرغم من أن الأتراك قد عرضوا عليه، أن يصبح حاكماً عاماً لليمن، إلا أنه، اشترك فعلياً في هذه الجمعيات السرية، وأخذ يزود والده بأنبائها، وبغيرها من الأخبار أولاً بأول. ومنذ اللحظة الأولى التي أصبح الحسين فيها شريفاً لمكة، نشط في حركة الاستقلال العربي، نشاطاً يجمع بين السر والعلانية.

الصفحات