أنت هنا

قراءة كتاب الملوك الهاشميون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الملوك الهاشميون

الملوك الهاشميون

في هذا الكتاب يستعرض المؤلف جيمس موريس، تاريخ العلاقة بين الهاشميين والبريطانيين منذ بدء الثورة العربية، ونشوب القتال في صحارى الحجاز، إلى عهد الملوك العِظام في العراق والأردن، حتى يصل إلى مذابح بغداد عام 1958.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
وعندما أخذت الحرب، تهدد هدوء أوروبا في عام 1914، كان الهاشميون، على علاقات ليست طيبة تماماً مع الإمبراطورية التركية، وكانوا قد وضعوا نصب عيونهم، الأمل بتحقيق الاستقلال للعرب. ولكن في ذلك الوقت، كما في أي وقت آخر، لم يكن بوسع الشعوب الصغيرة المعدمة، أن تشن حروباً، أو ثورات استقلالية دون أن يكون لها حماة، أو أنصار أقوياء، ولذا كان من الطبيعي، أن يقيم هؤلاء الهاشميون عاجلاً أو آجلاً علاقات مع الدولة التي تنافس تركيا في السيطرة على الشرق الأوسط، وهي بريطانيا.
 
وكان البريطانيون في ذلك الوقت - أي عام 1914 - قد وطدوا أقدامهم في مصر والسودان، الجهة المقابلة من الجزيرة العربية. وكامتداد لإمبراطوريتهم الهندية، كان البريطانيون قد حصلوا على حقوق السيادة والحماية في المناطق الواقعة على الخليج (الفارسي)، كما وسعوا نشاطهم التجاري في العراق. وكانت عدن، تتبع في إدارتها مدينة بومباي في الهند، كما وقع شيوخ جنوب الجزيرة معاهدات حماية مع بريطانيا، أما العلاقات البريطانية مع الباب العالي، فكانت متغيرة متذبذبة، طيلة القرن الماضي. وعلى الرغم من أن سياسة بريطانيا، كانت دائماً تستهدف، إسناد الباب العالي مخافة انهياره وظهور تطورات قد لا تكون في مصلحتها، إلا أن بريطانيا، وحتى قبل انضمام تركيا إلى دول الاتفاق مع ألمانيا والنمسا، كانت تتوقع منها أن تقف موقف العداء في الشرق الأوسط. وكان البريطانيون يعرفون، أن قناة السويس، لقربها من حدود الإمبراطورية التركية، لم تكن منيعة. كما راقبوا بحذر وقلق مد سكة حديد برلين - بغداد، معتبرين إياها مشروعاً معادياً لهم، ومنعوا وصولها إلى الكويت. ورأوا في سكة حديد الحجاز أيضاً، وسيلة لتحصين جناح من أجنحة الإمبراطورية العثمانية. ولكن أخطر مظهر من هذه المظاهر، كانت السلطة التي يحملها سلطان تركيا، بوصفه خليفة للمسلمين. ففي تلك الأيام كانت بريطانيا العظمى الدولة صاحبة النفوذ الأعظم في العالم الإسلامي، إذ إن رعاياها من المسلمين يبلغون سبعين مليوناً في الهند وستة عشر مليوناً في وادي النيل، في زمن كانت الديانة تلعب دوراً بارزاً في الحياة السياسية. وخلقت قداسة السلطان بوصفه خليفة للمسلمين مشكلة لبريطانيا وصفها لويد جورج آنذاك، بأنها من المشاكل الدقيقة. ولم يكن بوسع أحد تجاهل هذه الخطورة، لاسيما وأن السلطان عبد الحميد، بإنشائه لسكة حديد الحجاز، قد أثار موجة من الحماس بين المسلمين في كل مكان ولاسيما في الهند. وكثيراً ما قال الحجاج الهنود أو غيرهم: «خمسة أيام في القطار المريح بدلاً من ستة أسابيع في قوافل الجمال، والله إنه لعملُ ظلِّ الله على الأرض». وعلى الرغم من أن السكة الحديدية، لم تكمل قط، فإن مغزاها، وما أثارته من احتمال دعوة لحركة جامعة إسلامية كانا في طليعة الاهتمامات الإنكليزية. فقد بدأت بعض الأدمغة البريطانية النيّرة تدرك، أن حماة البلاد المقدسية من الهاشميين، قد يصبحون حلفاء نافعين ضد السيادة التركية المزعومة على الإسلام.
 
وتطورت المغازلات بين الفريقين، بصورة متباعدة، تلميحاً مرة وإطناباً مرة أخرى. ويبدو أن الحسين، كان لا يزال تنتابه بعض نوبات من شعور الواجب والولاء نحو الخليفة. وقد يبدو أيضاً أنه شعر بشيء من الامتعاض، من التحالف مع دولة نصرانية. ولكنه، على كل حال، كان رجلاً حذراً، ويقظاً، إلى أقصى حدود اليقظة والحذر. ومع اتساع هوّة الخلاف بينه وبين الأتراك. على الرغم من التستر الذي كان يرافق ذلك، والقائم على البروتوكول والمجاملة الدبلوماسية أخذ عقله يعمل باتجاه فكرة التفاهم مع بريطانيا، ولقد جاءت زيارة ولده عبد الله لدار الاعتماد في القاهرة المحرّك الأول لإمكانية هذا التفاهم. وكانت المقابلة الأولى بينه وبين اللورد كتشنر، حميدة غير مؤذية، فقد ذكر أحد الحاضرين، أن عبد الله كان قد أصيب بجراح في إحدى معارك الصحراء؛ فسارع كتشنر إلى إظهار ندبة عميقة في عنقه، كانت أثراً لجرح أصابه في السودان، وقد علق عبد الله على ذلك، بأن هذا غير مدهش، لأن جسم اللورد الضخم، يصلح هدفاً للرصاص الذي لا يخطئ. وهكذا مضت المقابلة الأولى في مثل هذا الحديث. وقد تكرر الاجتماع. وفي المرة الثانية، أشار عبد الله من طرف خفي إلى المتاعب التي يلقاها والده في الحجاز، كما وجه كتشنر سؤالاً أو سؤالين سديدين. وكانت هذه الإشارات والأسئلة بمثابة استطلاع أو تمهيد. وقد أدرك البريطانيون أن عبد الله يحمل رسالة من نوع ما إليهم، ولكنهم لم يستطيعوا إدراكها، وقد أصيبوا بنوع من الخجل من الاتصال، لأن بعض تكهنات الصحف قد أثارت شكوك الباب العالي. وكتب كتشنر إلى حكومته يقول: «إن من المفيد مراقبة التطورات، لأن العرب يبدون متحمسين». هذا وأخذ الدهاة من رجال دار المندوب السامي البريطاني في القاهرة يفتحون آذانهم ترقباً للأحداث.
 
وقد قام ألمع هؤلاء الدبلوماسيين البريطانيين باستئناف الاجتماعات عندما عاد عبد الله للمرة الثانية إلى القاهرة، وأعني به رونالد ستورس، المستشار الشرقي لدار المندوبية. الذي كان يتمتع برجاحة عقل فائقة وحماس منقطع النظير. وقد وجد عبد الله أن بإمكانه أن يتحدث إلى ستورس، بصراحة أكثر من حديثه إلى كتشنر المعروف بصلابته التي دفعت أحد المصريين يوماً إلى تقديم عريضة له عنونها «إلى صاحب الجلالة المستر كتشنر». ووجد الرجلان (عبد الله وستورس) تجاوباً في علاقتهما واجتماعهما، وكانا يقضيان الساعات الطوال؛ يلعبان الشطرنج، ويتبادلان محفوظهما من الشعر العربي. وكان ستورس؛ رجلاً طويلاً، نحيف البنية، ذا شارب خفيف، وجبهة عريضة تنضح بالإدراك والذكاء، ويمتاز بثقافة واعية، أما عبد الله، فكان مكتنز الجسم، حاضر البديهة، متألق الذكاء، يبدو كأمير صغير من أصل كريم الأرومة. وقد أعجب ستورس في اجتماعهما الأول، بما ألقاه الأمير على مسامعه من شعر عربي قديم، فكتب في مذكراته يقول: «ومنتقلاً، بواسطة سلسلة من الطائرات الرقيقة، قادماً من ماضٍ محارب، وجدت نفسي في حاضر عربي، يوجه إليّ السؤال المنطقي، عما إذا كانت بريطانيا على استعداد لتقدم إلى الشريف الأكبر، دزينة أو حتى نصف دزينة من المدافع الرشاشة، للدفاع ضد الأتراك».

الصفحات