كتاب "عثرات الأقلام"، هاجم اللحن ألسنة العرب منذ أيام الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ثم فشا وانتشر بعد الفتوحات الإسلامية ودخول الأعاجم في الإسلام؛ فكان هذا من جملة المحفزات على تدوين اللغة وجمعها، واستنباطِ قواعد النحو؛ ضبطاً للسان عن الخلل، وصوناً له من
قراءة كتاب عثرات الاقلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، رسول رب العالمين، أفصح العرب كافة أجمعين، وعلى الصحابة والتابعين، أهل اللسان العربي المبين، وعلى من اقتفى أثرهم، واستنّ سبيلهم إلى يوم الدين.
يروى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ على قوم يسيئون الرميَ فقرَّعهم، فقالوا: إنّا قومٌ متعلّمين. فأعرض مغضباً، وقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشدُّ عليّ من خطئِكم في رميكم.(1)
و روي أن أعرابياً سمع مؤذناً يقول: أشهد أنّ محمداً رسولَ الله. فقال له: ويحك، يفعل ماذا؟ و أعرابي آخر دخل السوقَ، فسمع الناسَ يلحنون، فقال: سبحان الله! يلحنون ويربحون، ونحن لا نلحن، ولا نربح.(2)
وتكلم أبو جعفر المنصورُ في مجلس فيه أعرابي، فلحَن، فصَرَّ الأعرابيُّ أذنيه، فلحن مرةً أخرى أعظمَ من الأُولى، فقال الأعرابي: أفٍّ لهذا، ماهذا؟ ثم تكلمَ، فلحن الثالثةَ، فقال الأعرابي: أشهد لقد وُلِّيتَ هذا الأمر بقضاءٍ وقدر.(3)
ومن طريف اللحن ما ذكره الضحاك بن زَمَل السكسكي، وكان من أصحاب المنصور، قال: كنا مع سليمان بن عبد الملك بدابق، إذ قام إليه الشَحّاجُ الأزدي الموصلي، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ أبينا هلكَ وترك مالٌ كثير، فوثب أَخانا على مالِ أبانا فأخذَه، فقال سليمان: فلا رحمَ الله أباك، ولا نيَّحَ (صلب وشدّ) عِظامَ أخيك، ولا بارك الله لك فيما ورثت، أخرجوا هذا اللحَّانَ عنّي. فأخذ بيده بعضُ الشاكرية (الخدم) وقال: قم فقد آذيتَ أميرَ المؤمنين.(4)
هاجم اللحن ألسنة العرب منذ أيام الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ثم فشا وانتشر بعد الفتوحات الإسلامية ودخول الأعاجم في الإسلام؛(5) فكان هذا من جملة المحفزات على تدوين اللغة وجمعها، واستنباطِ قواعد النحو؛ ضبطاً للسان عن الخلل، وصوناً له من الزلل.
وبالرغم من وضع هذه القواعد والأسس، وكثرة المؤلفات المعنية بموضوع الأخطاء والعثرات، فإن اللحن امتدَّ واشتد، وضرب بجِرانه متمكناً في ألسنة الناس، فصاروا في الكلام والكتابة أقربَ إلى الخطأ منهم إلى الصواب.
و قد أُلّفت في كل زمنٍ كتبٌ عُنيت بالأوهام والأخطاء التي يقع فيها الناس عامةً كانوا أم خاصةً. و يجد القارىء عقبَ هذه المقدمة قائمةً ببعض المصنّفات في اللحن قديماً و حديثاً. و كنت منذ تسعة أعوام نشرت كتاب العلامة القاسم بن علي الحريريّ (446-516 هـ )، "دُرّة الغوّاص في أَوْهام الخواصّ." وهذا الكتاب يعد بحقٍ درةً فريدةً من بين الكتب المعنية بموضوع اللحن.
ومنذ عامين طلب مني أخي و صديقي الشيخ الأستاذ طارق حسين، مدير قسم الإعلام في مؤسسة القدس الدولية، التي تُصدر مجلةَ زهرة المدائن، (وهي مجلة رائدة متخصصة بشؤون مدينة القدس) أن أكتب مقالة شهرية حول العثرات والأوهام الشائعة، التي يقع فيها بعضُ المعاصرين من الكُتّابِ والخطباء والصحفيين والمراسلين، بغيةَ نشرها في الملف الثقافي للمجلة. فأجبته شاكراً مبادرتَه الكريمة و غيرته على العربية، وشاكراً أيضاً اهتمام سائر الإخوة القائمين على المؤسسة بهذا الموضوع. و نُشر المقالُ الأول بعنوان "عثرات الأقلام"، العدد الأول في نيسان في 2010، و توالت الأعداد تباعاً حتى العدد الثالث والعشرين في ؟؟؟؟؟ 2011
وإتماماً للفائدة قررت نشر هذه المقالات في كتيّب صغير، يحمل العنوان نفسَه. وقد اقتصرت فيه على الأغلاط المعاصرة المشهورة التي تبين لي محضُ خطئها مما نصَّ عليه العلماء السابقون و المحدَثون من أهل اللغة. أما ما دخل تحت باب فصيح وأفصح، أو كان ثمة تعبيرٌ آخر أولى منه، فقد تجاهلته؛ لأنه خارج عن شرط الكتاب و موضوعه. على أنني- من باب الاحتراز - لا أجرؤ بعد ما بذلت من التحري والبحث والتدقيق أن أقول بيقين مطلق، لا يعترضه أدنى شك بأن هذا الألفاظَ جميعَها أو بعضها خطأٌ لا نقاشَ فيه ولا رجعة. إذ إنه من المحتمل-وإن كان احتمالاً ضعيفاً- أن يثبت صوابُ البعض منها لسببٍ ما. و كثيراً ما كنت أسمع أو أقرأ هنا وهناك أن التعبير الفلاني خطأ، ثم يتبين لي بعد مزيدٍ من الدرس والبحث أنه لغةٌ صحيحة فصيحة، لا غبار عليها. مثل تخطئتهم لكلمة "ساهم فلان في كذا" ووجوبِ قول: أسهم، عوضاً عنها؛(6) و مثلها تخطئتهم لمن يقول: تَوفَّى فلان، ووجوب أن يقول: تُوُفِّي، بالمبني للمجهول؛(7) و كذلك تخطئتهم لقولك: قد لا يكون كذا، حيث لا بد هنا من أن يكون المضارع مثبتاً، غير منفي.(8)