أنت هنا

قراءة كتاب الصدى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصدى

الصدى

المجموعة القصصية "الصدى" للكاتب محمد زكريا الزعيم، يقول في مقدمتها:

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
الصفحة رقم: 2

لا أجد ما أشتهيه

لا أجد ما أشتهيه وما أشتهيه لا أجده ! . .
أعرابي
هكذا الحياة نضارة أيكةٍ ، الحسن فيها لا يكمل ، فإذا ما اخضرَّ منها جانب جفَّ جانب .

فقد تجود بشيء ولكنها تضن بأشياء ، وقد تبسط الكفّ بما عليه قوام الحياة ولكنها في الوقت نفسه تشيح الوجه عن زهر الأماني وآمال المهج .
فما كل طعام في الحياة يُشتهى ، وما كل شراب منها يذاق ! . .
فإذا ما وقف المرء منها على هذا الخُلُق فيها وأدرك تلك الجبلة التي طبعت عليها ، فإن الأمر يهون عليه لأنه حينئذ سيعرف كيف يكبح جماح مناه ، ويتجرع بصمت مرارة الحرمان ! . .
فما خلقت الحياة لتعطي وتجود فحسب ، بل لتمتحن وتبتلي .
فإن الجهل في أسرار الحياة يجعل الكثيرين يلقون عليها بالعتب واللائمة ويرمونها بالشح والإعراض ، ويتأففون من إمساكها ويضيقون ذرعاً بسرابها .
فالحذر الحذر من اللهاث وراء سرابها والانخداع بخلَّب برقها وإلّا فإنّ الفطام صعب والارتداد عنها شاق ، والارتطام بجدار الصحو موجع ! .
وليوطن أحدنا نفسه على أن يقيم صلته بالحياة على ما يفعل وينجز وليس على ما يشتهي ويرغب . وليروض إرادته على تحمّل شدائدها ومرارة علقمها كما يقتضي أدب المجالس منا أن نحتمل ولو إلى حين غلظة جليس لا نوده ، أو ثقيل لا نرغب صحبته .
وما أشبه المرء في فسطاط الحياة هذا بحال من يدخل مطعماً لا يقدم إلا وجبة واحدة حينئذ ليس في وسع ذلك الزائر أن يتشهّى ويبالغ في الطلب ويتشدّد في الاختيار فلن يحظى غير وجبة واحدة وصنف يتيم .
قد لا يرضى الإنسان عن صورته وشكله وقد يستقلل ما وهبته الحياة من طاقات وما منحته من مواهب وقد يألم لتجاوز سحب الحظ أرضه وذبول أمانيه على أرض الجدب ، وقد يتأفف مما يقع له . . .
ولكن عليه أن يعلم أنّ الحياة لا تجود ـ لحكمة ـ إلا ببعض العطاء فينبغي له أن يتقبّل ما يُقدَّم إليه ، ويصبر على خسارة ما يُحجب عنه فقد قُدِّر لنا أن نحتسي الشراب مرنّقاً ونتجرع الطعام بائتاً فعلينا أن نتقبّل ذلك بطيب خاطر ونفس مطمئنة ما دام ليس في وسعنا تحقيق كل ما نريد ، ودفع كل ما نكره ، ولتكن أيامنا القصيرة أوقات عملٍ وإنجاز وملء صحف الحياة بجلائل الأعمال ففي ذلك وحده السلوُّ والتّعزّي ! . .

ما الوجه إلا واحد

وما الوجه إلا واحد غير أنه إذا أنت عدّدت المرايا تعدّدا
محيي الدين ابن عربي
كل من اعتاد أن يرى اختلاف الزرع وتلوّن الزهر في الرياض الغناء والجنات الوارفة يُفتن بهذا التنوّع ويؤخذ بذاك التلون ، فيتخذ من ذلك مقياساً للجمال وأمارةً على الحسن ، وقد فاته أن ذلك المقياس لا يستقيم في كل حال ولا يطّرد في كل مشهد .
ولا عجب في هذا الافتتان فذاك ذوق فطري وخلق أصيل في جِبَلَّة الإنسان ونظرته إلى الجمال .
فالتنوع شيء جميل وأمر مستطاب في كلّ شيء غير الوجه ، الوجه الذي صوره البارئ فأحسن صورته ، فإذا ما تشكل الوجه وتعدّد الملمح اصطبغ بالقبح وتجلّل بالدمامة .
وما ذاك إلا من طبائع الأمور لأن التذبذب بين القيم والتأرجح بين المذاهب والتقلب بين المواقف يورث النفس ظلمة وجهامة وينعكس على الوجه قبحاً ودمامةً .
فالوجه الذي يدور مع الليالي ويتذبذب مع الوقائع ، إنما هو وجه دميم مشوه الملامح متجهم الطلعة تشكّل ملامحه مرايا مقعّرة وعدسات محدبة فتضطرب فيه النسب وتخبو فيه الوضاءة وكأن رساماً هزلياً من أرباب الكاريكاتير قد عبث بملامحه وشوه قسماته .
ولو صعدنا النظر في ملامح هذا الكون الجميل لرأينا فيه شاهدَ صدقٍ وحَكَمَ عدلٍ ، فطلعةُ الشمس واحدة لا تتبدل وإطلالة القمر نفسها لا تتغير ! .
ومع ذلك فنحن نشتاق لشروق الشمس شوق المحب ، ونترقب إطلالة القمر ترقب المشوق .
فإذا ما طلعت الشمس من مشرقها وأطلت علينا من شرفتها ملأت أعيننا بالنور ، وصدورنا بالحبور فيما تتقاصر عنه المصابيح المنيرة بتلألئها والسرج الزاهية بتألقها ، والأضواء الساطعة بألوانها ، إن الله في العلا واحد ، والحقَّ في الأصداف واحد ، والنورَ في المشارق واحد فلماذا لا يكون الوجه واحداً ، واهديَّ واحداً ؟
ألا يورث ذلك الجَنانَ ثباتاً ، والنفس سكينةً ؟

الصفحات