أنت هنا

قراءة كتاب اللغة والفكر وفلسفة الذهن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اللغة والفكر وفلسفة الذهن

اللغة والفكر وفلسفة الذهن

تحيل الإشكالات التي يعالجها هذا الكتاب على المجالات التالية: علم النفس المعرفي (Cognitive psychology) واللسانيات والفلسفة. والنواة المركزية التي تحوم حولها هذه الإشكالات كلها يلخصها سؤال هام هو: ما طبيعة الفكر؟.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
حينما عرج رورتي (283:1979) على مناقشة بعض افتراضات علم النفس المعرفي لدى فودور وفندلر وغيرهما، ناظراً فيها، فاحصاً ما يميزها عن نظرية المعرفة لدى كلٍ من ديكارت وكانط، انتهى إلى أن تخصيص بنية الذهن ومحتوياته لا تعد، خصوصاً عند فودور، محصنة مما قد تثيره التجربة من شكوك؛ إذ يمكننا، في نطاق البرنامج الذي يقترحه فودور، إلاَّ نبْرَحَ الخطأ بخصوص قهمنا لبنية الذهن ومحتوياته. ويستنتج رورتي (286:1979) من هذا أن تصور المعرفيين يُمَكِّنــُنا، بابتعاده عن دعاوى نظرية المعرفة الكلاسيكية، من الإبقاء على الاختلاف قائماً بين الناس من حيث إنهم موضوعات للتفسير، والناس من حيث إنهم فاعلون أخلاقيون منشغلون بتسويغ اعتقاداتهم وأفعالهم. فهاتان الرؤيتان: التفسيرية (العلمية) والتسويغية (الأخلاقية) لا تستدعيان، في نطاق التصور المعرفي، أي تركيب (Synthèse)؛ لأن الذهن عند المعرفيين لم يعد يلعب دور مرآة طبيعية كما كان الحال عليه في نظرية المعرفة الكلاسيكية. بمعنى أن الذهن لم يعد يمثل الأساس الذي يسمح بالفرز بين الاعتقادات المسوغة وغير المسوغة (لقد كان كانط يعتقد أن معرفتنا بما يجري داخلنا هي التي تمكننا من إضفاء المشروعية على اليقينيات التي نؤمن بها أمام محكمة العقل الخالص )أنظر مقدمة الطبعة الأولى في كانط( (31:1976))؛ ولم تعد التمثيلات الذهنية أداة ذات امتياز ميتافيزيقي محفوظ للفصل بين الصدق والكذب؛ بل أصبح يُنظر إليهما (الذهن وتمثيلاته) بوصفهما موضوعاً للتفسير العلمي المستقل عن كل وثوقية ميتافيزيقية.
 
إن هذه الفروقات القائمة بين الطرح المعرفي للذهن ونظرية المعرفة تبقى واردة كلما تشبث المعرفيون بمقتضيات التفسير وقاوموا رغبة الإنسان وراء رهانات التسويغ. أما عندما ينساقون (وهذا ما يكشف عنه رورتي بعناية في نقده لبعض تصوراتهم، وخصوصاً تصور فندلر، (أنظر رورتي (282-283:1979))، فإنهم يقعون مباشرة في شرك دعاوى نظرية المعرفة. والمنفذ الرئيس الذي يقود المعرفيين إلى معانقة دعاوى نظرية المعرفة هو الافتراض الفطري. فهذا الافتراض السحري يغري بمجاورة نطاق التفسير ويُرغَّبُ في التسويغ. وعندما تحصل المجاوزة، يتحول العلماء المعرفيون إلى فلاسفة يبحثون، على نحو تجريبي، في عين ما كان يبحث فيه ديكارت وكانظ، وأفلاطون قبلهما، على نحو تأملي. ويغدو الطرح المعرفي فصلاً جديداً سطرته حساسية القرن العشرين التقنوقراطية ليأخذ بعناق الفصول السالفة المسطورة بحساسيات أخرى في كتاب الميتافيزيقا الكبير.
 
ويمكن في ضوء الملاحظات أعلاه، أن نؤول الانتقادات التي سنقف عندها في الفصل الأخير من هذا الكتاب بوصفها انتقادات مصوبة، في جزء كبير منها، إلى دعاوى نظرية المعرفة التي تتحرك، بوضوح أحياناً وخِلسة أحياناً أخرى، في ثنايا النزعة الذهنية لمعهد المساشوسيتش.
 
* * * * *
 
لا يمكنني، وقد أتيت على نهاية هذا التقديم، إلا أن أتوجه بالشكر الخالص إلى أساتذتي الأفاضل: أحمد العلوي، أحمد الإدريسي، عبد القادر الفاسي الفهري، أحمد المتوكل، إدريس السغروشني، سالم يفوت، فعلى يد هؤلاء عرفت القسم الأكبر مما أعرف، وفي مجالسهم بكلية الآداب بالرباط تشكلت الملامح الأولى لهذه المحاولة المتواضعة.
 
وأشكر أيضاً زملائي وأصدقائي الذين عدت إليهم في بعض قضايا هذا الكتاب. وأخص بالذكر منهم: الحسن السوعلي، أحمد محفوظ، أحمد إحدوثن، محمد الحيرش، عبد الواحد العسري، محمد خرشيش، محمد بويعلي، رشيد بلخياط، أحمد الطريبق، وأشكر محمد أسيداه ومحمد الشبابي على قراءتهما للمخطوط قبل أن ينشر. وأبرئ الكل من الأخطاء التي يمكن أن تلق هذا الكتاب.
 
وأخص إخواني في مكتب الجمعية بتحية خاصة على سهرهم على إخراج هذا الكتاب.
 
تطوان / يوليوز 1995.

الصفحات