أنت هنا

قراءة كتاب اللغة والفكر وفلسفة الذهن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اللغة والفكر وفلسفة الذهن

اللغة والفكر وفلسفة الذهن

تحيل الإشكالات التي يعالجها هذا الكتاب على المجالات التالية: علم النفس المعرفي (Cognitive psychology) واللسانيات والفلسفة. والنواة المركزية التي تحوم حولها هذه الإشكالات كلها يلخصها سؤال هام هو: ما طبيعة الفكر؟.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
حس المشترك وأسئلة "العلم"
 
هناك أسباب شتى تحث الفيلسوف "الرصين" على رفض الأسئلة أعلاه. لكن أهم هذه الأسباب، أو على الأصح أوردها بالنسبة غلى موضوعنا، كامن في أنه يصدر في رفضه، ربما، عن موقف يقول بالتعدد الأنطلوجي، أي بوجود نوعين، على الأقل، من الجواهر أو الماهيات يخضعان لقوانين (سببية؟) مختلفة: ماهية الفكر وماهية المادة.
 
وقد يلتمس، لموقفه هذا، سنداً في تاريخ الفلسفة فيقول، مثلاً، لعى لسان ديكارت (60: 1966): عرفت [....] أنـــّي جوهر ماهيته وطبيعته التفكير وليس شيئاً آخر غيره، وهذا الجوهر لا يحتاج، لكي يوجد، إلى محل. ولا يتوقف على أي شيء مادي. فهذا الأنا، أي هذا الروح الذي يجعلني أكون ما أكون، يتميز كلياً عن الجسد.... وإذا حصل إن قبل الفيلسوف "الرصين" حدوس ديكارت وأذعن لها، سيزداد اقتناعه رسوخاً بعبثية الأسئلة الموضوعة أعلاه. ففي أي إطار، إذن، يمكن وضع هذا الضرب من الأسئلة دون الانزلاق إلى العبث أو إلى المهازلة والمزاح؟.
 
لا يمكن للأسئلة أعلاه أن تكون واردة إلا في إطار ينفي التعدد الأنطولوجي أو يقبل التشكيك فيه. أو بعبارة فلسفية أوضح، لا تكون الأسئلة أعلاه واردة إلا إذا رفضنا حدوس ديكارت الثنوية أو شككنا فيها. بالطبع، ليس هناك موقف واحد فقط يتعارض مع القول بالتعدد الأنطولوجي. بل ثمة موقفان إثنان: أولهما تجسده الأحدية المادية، وثانيهما تجسده الأحدية المثالية. فإذا أخذنا على سبيل المقال السؤال الأخير من سلسلة الأسئلة أعلاه وعرضناه على هذين الموقفين؛ فإن الأحديين الماديين سيجيبون عنه بالإيجاب. فهم، بحكم موقفهم المبدئي، سيقبلون:
 
1- النظر إلى الدماغ – أو الجهاز العصبي المركزي – بوصفه آلة أو نسقاً مادياً يخضع لقوانين الفيزياء (تتدخل الفيزياء هنا عن طريق علوم الأعصاب).
 
2- النظر إلى الدماغ من حيث إنه الحامل الذي يسند هنا عن طريق علوم الأعصاب).
 
على عكس خصومهم الأحديين المقاليين الذين لن يستطيعوا بحكم موقفهم أيضاً، أن يقبلوا التسليم بالمسلمتين (الفيلسوف الرافض للأسئلة أعلاه يكون صادراً إما عن التعدد الأنطولوجي وإما عن الأحدية المثالية).
 
إن القول بالمسلمتين يتعارض مطلقاً مع الصورة التي يزودنا بها الحس المشترك عن أنفسنا. فنحن، عندما نفكر، نكون فاعلين أحراراً شاعرين أذكياء عقلانيين. وبمقتضى هذه الخصائص نتميّز عن العالم الفيزيائي. فكيف يمكننا أن نرد هذه الخصائص التي تحكمها الدلالة والقصدية إلى خصائص العالم الفيزيائي الخرساء؟ إن هذه الصيغة في وضع السؤال تحمل في طياتها إيحاءات تبعث على التشكيك في صدق المسلمتين السالفتين، بل في مشروعيتهما كذلك. لكن الإيحاء بالتشكيك ليس تشكيكاً. إذ يكفي أن نلتفت إلى الحس المشترك ونسأله عن معنى الخصائص أو الدلالة أو القصدية أو العقلانية... إلخ؟ إن الحس المشترك، في مقام كهذا، يروي القصص ولا يقدم الأجوبة.
 
إذا جاوزنا ما يقضي به الحس المشترك، وألقينا نظرة على العلوم التي حققت نجاحاً مشهوداً في فهم الظواهر وتفسيرها، نجدها تصدر عن القبول الشمولي بوجود أنطولوجيا مادية، ونجد، أيضاً، أن هذا القبول مكنــّها من تشييد تصورات منسجمة إلى حد بعيد للعالِم الذي تدرسه، وسهل لها إمكان تحقيق قدرٍ عالٍ من التــّخاص في البحث، (هذا، دون الحديث عن النتائج التكنولوجية الهائلة التي أدت إليها هذه العلوم). بل إن التقدم النسبي الذي حققته بعض شعب العلوم الإنسانية والإجتماعية راجع في جزء كبير منه إلى التسليم بوجود أنطولوجيا مادية (أنظر المزيد من التفصيل سبربر (399-397:1992)). فالقول بصدق المسلمتين أعلاه، رهان داخل في هذا النطاق، أي رهان داخل في نطاق طرح الفكر، أو ما يسمى بالحالات الذهنية، طرحاً مادياً. والسؤال الذي يسوّغ هذا الرهان هو التالي: إذا كان التصور "العلمي" الشامل عن العالم الفيزيائي يقضي بأن هذا العالم خالٍ من الدلالة والشعور..إلخ ولا يحتوي إلا على الجزئيات الفيزيائية، فكيف حصل أن كان هذا العالم نفسه حاوياً أيضاً للدلالة والشعور...؟
 
إن هذا السؤال يختلف عن سؤال الحس المشترك التشكيكي السابق. وإذا جاز لنا أن نؤوله تأويلاً تشكيكياً على نحو ما فعلنا بسؤال الحس المشترك، فإننا سنقول هذه المرة: إن التشكيك ينصبّ على الخصائص الفضفاضة التي ينسبها الحس المشترك إلى الفكر وليس على إمكان رصد الفكر رصداً يعتمد الفيزياء. فالتكشكيك إذا شئتم، وارد في السؤالين؛ لكن حيّزيه مختلفان

الصفحات