كتاب "مداخلات"، يقول نعوم تشومسكي إن حرية التحدي الفوة ليست فرصة فقط بل هي مسؤولية .وطوال السنوات العديدة الماضية دأب تشومسكي على كتابة مقالات لمؤسسة نيويورك تايمز ليقوم بتلك المسؤولية : تحدي القوة ، وكشف التبعات العالمية للسياسة والاعمال العسكرية الاميريكي
أنت هنا
قراءة كتاب مداخلات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
خارطة طريق بلا أي وجهة
18 اب 2003
في هذه الأيام، في الوقت الذي تستمر فيه عملية السلام الإسرائيلي الفلسطيني، يتواصل بناء الحاجز الذي تسميه إسرائيل سياجًا أمنيًا ويسميه الفلسطينيون جدار فصل ومع أن هنالك اختلافات بين الرئيس جورج دابليو بوش ورئيس الوزراء إرئيل شارون، حول الموقع الفعلي للحاجز، فإنه من أجل وضع عملية السلام - والحاجز - في السياق، فإن من المهم أن نتذكر أنه دون موافقة الولايات المتحدة ودعمها؛ فإن بإمكان إسرائيل أن تفعل القليل، والإسرائيليون العقلانيون يعرفون ذلك·
كان المعلق السياسي الإسرائيلي عمير أوربن دقيقًا جدًا حين قال إن الرجل السيد الذي يسمى شريكًا هو الإدارة الأمريكية· هنالك أوهام كثيرة في الدول العربية وأماكن أخرى حول خنوع واشنطن لإسرائيل واللوبي المحلي الموالي لإسرائيل (والذي ليس كله يهودًا بأي حال من الأحوال)، فالفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة تسمح
لإسرائيل بأن تكون سيدتها سوء فهم خطير من وجهة نظري إن خيارات إسرائيل في السنوات الثلاثين الماضية قد تقلصت بشكل ملحوظ فهي بمسارها الحالي، لا تملك أي بديل فعلي للخدمة كقاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة والامتثال للمطالب الأمريكية·
وظهرت الخيارات بكل وضوح عام 1971 عندما عرض الرئيس المصري أنور السادات على إسرائيل معاهدة سلام كامل، مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المصرية وقبول مقترحات وسيط الأمم المتحدة، غونار يارنغ·
كان أمام إسرائيل خيار مصيري، فقد كان بإمكانها أن تقبل السلام والاندماج في المنطقة، أو الإصرار على المواجهة، وبالتالي الاعتماد الحتمي على الولايات المتحدة، واختارت الخيار الثاني ليس من منطلق الأمن، ولكن بسبب التزام بالتوسع·
في العام الماضي، كتب حسين آغا، وهو مختص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد، وروبرت مالي، مساعد متخصص للرئيس كلينتون حول الشؤون العربية الإسرائيلية، كتبا في مجلة فورين أفيرز حول المأزق الإسرائيلي الفلسطيني، حيث بينا أن الخطوط العريضة للحل قد تم فهمها بشكل أساسي لبعض الوقت
ويرسم آغا ومالي الفهم المشترك: تقسيم للأرض على الحدود الدولية، مع تبادل للأراضي بنسبة متكافئة، وهما يكتبان أن الطريق للوصول إلى حل قد أفلت عن جميع الأطراف من البداية، لكن البيان مضلل رغم دقته، فقد تم سدّ الطريق طوال خمس وعشرين سنة من قبل الولايات المتحدة، وتواصل إسرائيل رفضه حتى من قبل الطرف الحمائمي من الطيف السياسي المهيمن·
وخلال سنوات بوش الثاني - شارون، تراجعت الآفاق أمام حلّ سياسي، ووسعت إسرائيل برامجها الاستيطانية بمساندة أمريكية مستمرة·
تسيطر المستوطنات الإسرائيلية حاليًا على 42 في المائة من الضفة الغربية، وفقًا لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية، بيتسليم، وتتناثر بين تلك المستوطنات، مناطق فلسطينية تشكل بقايا الأنظمة المقيتة من الماضي، مثل نظام جنوب أفريقيا العنصري كما تقول بيتسليم·
وفيما يتعلق بالخطط الحالية لإدارة بوش، فإن هنالك مصدرين: الأقوال والأفعال، فعلى صعيد الأقوال، تكمن رؤية بوش لدولة فلسطينية و خارطة الطريق التي أوحت بها الولايات المتحدة، لكن خارطة الطريق تركت غامضة عن عمد حول قضايا مهمة مثل الحدود·
تقول الصحفية الإسرائيلية أميره هاس: إن الحقائق على الأرض تقرر - وستظل تقرر- المنطقة التي ستطبق عليها خارطة الطريق، المنطقة التي سيقام عليها الكيان المعروف بالدولة الفلسطينية·
وبالحاجز وبتصرفاتها الأخرى فإن إسرائيل - وبالتالي سيدها المسمى بالشريك - تقوّض التسوية الدبلوماسية السلمية·
وتبرر إسرائيل سلوكها بعبارة الإرهاب الفلسطيني الذي قامت هي بتصعيده في واقع الأمر، بما فيه التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين، خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت في شهر أيلول 2000 لكن ينبغي القول إنه إلى فترة قريبة نسبيًا فإن احتلال إسرائيل العسكري الوحشي قد أثار انتقامًا ضئيلاً جدًا ضد إسرائيل داخل المناطق، كما أن الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال والمستوطنون غير القانونيين في تلك المناطق قد أثارت قلقًا ضئيلاً· وقد انطبق الشيء ذاته في الأيام الأولى للانتفاضة الحالية ففي شهرها الأول، وفقًا للجيش الإسرائيلي، كان معدل حالات القتل عشرين إلى واحدة
(57 فلسطينيًا، 4 إسرائيليين)، وفي وقت كانت فيه المقاومة تقتصر على المناطق ونادرًا ما تجاوزت قذف الحجارة، وعندما تحول المعدل إلى ثلاث مقابل واحدة، ثار السخط الشديد إزاء معاناة الإسرائيليين·
إن ردة الفعل ملائمة لكن هل كانت ملائمة للاستهانة بالمعاناة الأسوأ للفلسطينيين قبل تحول ميزان الرعب، والآن أيضًا· وهي معاناة تعود إلى سنوات كثيرة بدعم أمريكي كبير لقد كشفت الانتفاضة تغيرات كبيرة أخذت تحدث داخل إسرائيل، فقد كانت السلطة الداخلية للجيش الإسرائيلي قد وصلت عندئذ إلى مستويات عالية، حتى إن الصحفي الإسرائيلي بن كاسبن قد وصف البلد ليس كدولة لها جيش وإنما جيش له دولة، وهو جيش يشكل، في الواقع، ملحقًا للقوة العسكرية التي تسيطر على العالم على مستوى لم يكن له أي سابقة تاريخية، وهي حقيقة لا تغيب عن أبناء المنطقة·
لكن بالإمكان أن يكون هنالك سلام، فهنالك أمثلة تاريخية كثيرة على إنهاء وتغيير الصراعات التي تبدو غير قابلة للحل، وتشكل ايرلندا الشمالية مثلاً أخيرًا، فمع أنها ليست طوبائية - فإنها تحسنت كثيرًا عما كانت قبل عقد·
وجنوب أفريقيا مثال آخر، فقبل بضع سنوات فقط، بدا أن العنف العرقي والقمع العنيف يدفعان المجتمع إلى حالة ميئوس منها، وطرأت تحسينات ملحوظة منذ ذلك الحين وفي إسرائيل - فلسطين فإن الرعب الشديد اليومي يضيف لبنات جديدة إلى جدران الكراهية والخوف والرغبة الجامحة للانتقام، لكن لم يفت الوقت أبدًا لاختراق تلك
الجدران إن الناس الذين يعانون من الألم اليومي ويتوقعون غدًا أسوا هم وحدهم الذين يمكن لهم أن يتولوا هذه المهمة بشكل جدي، لكن الخارجيين يمكنهم أن يساعدوا بصورة كبيرة في تهيئة الطريق، وإن يكن ذلك حين يرغبون في مواجهة أدوارهم ومسؤولياتهم بنزاهة، ويضعون خارطة طريق وفق ذلك·