كتاب "واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه"، تشكل تجربة الاقتصاد الاردني ، رغم خصوصيتها ، نموذجاً متكرراً في البلدان العربية المختلفة في العديد من جوانبه ، ما يجعل رصده وتحليله في اطره السياسية والاجتماعية ، ذا فائدة تتجاوز حدود الاردن ،ويأتي في مقدمة النواقص المت
أنت هنا
قراءة كتاب واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه
2. مرحلة التأسيس
كانت أطول هذه المراحل مرحلة العقود الثلاثة الأولى منذ نشأة الإمارة وترسيم حدودها بقرار بريطاني عام 1921، وحتى مقتل الملك عبد الله في القدس
في العشرين من تموز عام 1951، الذي كان مرتبطًا بأحداث نكبة فلسطين وتداعياتها.
وكانت مرحلة التكوين هذه حاسمة في مستقبل الأردن. فقد شهدت هذه المرحلة إقامة الدولة والإدارة المركزية والفرعية، والأجهزة الأمنية والقوات
المسلحة، والاستقرار القبلي الداخلي، حيث خضعت القبائل المستقلة لعقود طويلة سابقًا، لسلطة الدولة الأردنية وإغراءاتها، وحنكة القادة البريطانيين
الذين قادوا الأجهزة الأمنية فيها. وشهدت هذه المرحلة أيضًا حماية الحدود الجنوبية من الإخوان الوهابيين لوقف توسع المملكة العربية السعودية
حديثة التكوين بدورها، وشملت هذه الفترة تنفيذ المخطط البريطاني في فلسطين عام 1948، ووحدة الضفتين عام 1950. وقد سهل
ذلك استيعاب حوالى 60% من الشعب الفلسطيني، وإدخال تغيرات هيكلية أساسية على الاقتصاد والمجتمع الأردنيين. وقد تم البدء في هذه الفترة أيضًا
بإقامة البنية التحتية، وخاصة المواصلات بين مختلف أرجاء المملكة، وكذلك المرافق العامة في الطاقة والمياه والاتصالات والقضاء، والخدمات
الاجتماعية في التعليم والصحة. وكانت جميع هذه التطورات مستجدة على مجتمع الأردن ما أسس ولادته الحديثة. وقد شهدت هذه المرحلة أيضًا توفير
المساعدة الفاعلة لقطاع الزراعة، الذي كان الأهم في اقتصاد الأردن في تلك المرحلة. وشكلت هذه النشاطات الظروف المؤاتية
للتنمية الاقتصادية السريعة، وسهلت الانتقال من حالة التخلف والبدائية الشديدة، وضآلة السكان الذين لم يتجاوز
عددهم الربع مليون نسمة عند البداية.
ولقد وفرت دولة الانتداب بريطانيا لتحقيق أهدافها الرؤى العصرية والموارد المالية لتمويل هذه النشاطات، مدعومة بأعداد من المنتدبين
البريطانيين للأجهزة الأمنية والمدنية. وقد انضمت إليهم أعداد كبيرة من الوافدين من فلسطين ولبنان وسوريا والحجاز لملء المواقع القيادية في الإدارة
الحكومية، وكذلك لتكوين بدايات القطاع الخاص الحديث، في التجارة والصناعة والخدمات الصحية والتعليمية. وقد شكل ذلك انطلاقة نوعية ذات ديناميكية
وكوادر حكومية وطموحات مقترنة بدرجة مرتفعة من المهنية والنزاهة والبراءة في الإدارة العامة، التي ما لبثت أن تراجعت في المراحل اللاحقة، كما
سوف يظهر في الفقرات التالية.
وقد تضاعف حجم السكان في هذه المرحلة في إطار النمو الطبيعي وأكثر مع وبعد الانتقال القسري لعشرات ألاف
اللاجئين الفلسطينيين للأردن عام 1948 في أولى هذه الهجرات القسرية. وقد تركز معظم هذه الزيادة في العاصمة عمان
التي ظهر تفوقها على باقي أجزاء الأردن، وخاصة في المجال الاقتصادي، والتي أصبحت تؤوي في نهاية هذه المرحلة حوالى 20% من
مجموع السكان، بالمقارنة مع حوالى 1% فقط عند قيام الكيان. كما ظهر أيضًا تميز عمان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بالنظر لأعداد الوافدين الكبيرة
إليها من خارج الأردن، وكذلك نزوح النخب الاجتماعية إليها من مناطق الأردن المختلفة. وفي هذه المرحلة تنامى القطاع العام بشكل متسارع في الحجم،
والفاعلية في قيادة وتوجيه المجتمع والاقتصاد الوطني. كما تراجعت قليلاً أهمية القطاع الزراعي النسبية، وتزايد اعتماد القطاع الخاص على الدولة الذي
استمر حتى تعاظم نهج الخصخصة والاستثمار الخارجي في التسعينات من القرن الماضي، وحتى الآن.