أنت هنا

قراءة كتاب العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب

العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب

كتاب "العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب"، عندما فاجأت العولمة العالم الإسلامي بظهورها واقتحامها، اصيب المسلمون بالذهول، والكثير اختلطت عليه الأمور ولم يعد يملك القدرة على استيعاب المتغيرات، والاحداث التي سيطرت على الكرة الأرضية اليوم، وبناء على هذا التحدي الخ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

اللقاء الاخير بين الاسلام والغرب

كان اللقاء الاول في عصر الرسالة قد تمثل في رسائل الرسول  الى ملوك الارض وفي غزوة تبوك واليرموك، اما اللقاء الثاني فكان متمثلا بالحروب الصليبية في عصر صلاح الدين وبعد عصر النهضة كانت مقدمات اللقاء الثالث واضحة المعالم منذ ان وصل الغرب الى قمة الانجازات في مجال العلم والتكنولوجيا وصاحب هذا الظهور الغربي عودة بالشعور الى مفهوم ان الغرب هو مركز العالم وان الحضارة الغربية هي حضارة الرجل الابيض والعرق الافضل ثم (تبادرت الى سطح الوعي الاوربي مركزية قائمة على هذا الاساس وعليه ظهرت ثنائية الانا والاخر، الانا المتفوق والاخر المتخلف) وكان هذا الشعور يغذي خلفية الاستعمار الحديث الذي تحرك في الفرصة المناسبة لتمزيق العالم الإسلامي وتقسيمه بين الدول الأوربية ومع بداية القرن العشرين دخلت الجيوش الغربية الأرض الإسلامية واخضعت المسلمين للاستعمار المباشر وعندها صحا المسلمون وتعرفوا على الغرب أكثر من ذي قبل (الغرب الجديد الذي جاء الى قرار عقر دار الإسلام ليخضع افاقه الى مركزيته، فكان الصدام بينه وبين الإسلام داخل ديار الاسلام ذاتها) وكانت هذه الحركة الاستعمارية تقف على أرضية ايدلوجية مستمدة من خلفية الحروب الصليبيـة إذ تبرر للغربي رغبتـه في السيطرة على الشـرق على اساس تحقيق المجد لأمة الصليب كما كان الصليبيـون يستنهضون الهمم لمساعدة (المؤمنين في جيوش الرب).
وعلى هذا الاساس بدأ الغرب يدرس الشرق من جديد وعاد اليه يتأمل تاريخه وتراثه واسباب قوته وتحقق نمو المعرفة بالشرق وبالاسلام عن طريق الدراسات الاستشراقية وظهرت نظريات ومفاهيم تشكل اطارا ايديولوجيا لفهم الشرق من الغرب الذي وظف الديانة المسيحية من جديد لزيادة فاعلية احكام القبضة الغربية على الشرق ثم تطورت هذه المعرفة الاستشراقية وفق تطور المفاهيم الغربية للحياة في داخل المجتمع الغربي وكان هذا التطور المعرفي يتكيف مع العقل الغربي لكي يتم اقناع الرأي العام الغربي بعملية اقصاء الاخر الشرقي المتخلف الذي يملك الثروة ولا يملك الحكمة، فكانت القراءة الغربية تقرأ الاسلام في الدراسات الاستشراقية على وفق المركزية الغربية والقراءة الامبريالية، ومع مراعاة العقل الغربي في عملية الاقصاء هذه كانت القضية تعرض على وفق مفاهيم تبريرية استطاعت ان تجند بعض المفكرين العرب الذين اعجبوا بالنموذج الغربي وحاولوا محاكاته في نمط وطريقة عيشه فولدت هذه الحالة عند هؤلاء تحولا ثقافيا او اغترابا عن الذات.
وعندما دخلت جيوش الغرب عرضت على المسلمين انها لم تأت لغرض هيمنة الغرب وانما جاءت لتحرير الشرق كما قال الجنرال مود للعراقيين (جئنا محررين لا فاتحين) وكانت هذه الجرعة التضليلية لضمان عدم تعرض جيوش المستعمرين لمقاومة الشعوب الاسلامية وقد استخدمت الجيوش الصليبية في حركتها الاولى الاسلوب نفسه فقد ذكر ابن الاثير (ان الفرنج قد كاتبوا صاحب حلب وصاحب دمشق بأننا لا نقصد غير البلاد التي كانت بيد الروم لا نطلب سواها مكرا منهم وخديعة حتى لا يساعدوا صاحب انطاكية).
وقد ادرك الغرب من خلال قراءته للاسلام بأن الاسلام لا يمثل دينا بالمعنى الغربي للدين وانما هو قوة حضارية فاعلة ومؤثرة تمتلك القدرة على الانبعاث المتجدد عند كل فرصة تسنح له بالظهور كما وان هذا الاسلام (لا يقف عند حدود تعليم العبادات والبكاء الى الله للخلاص من هذه الدنيا وايداع الروح الى ربها سالمة عن طريق الشهادة وهو لا يقف عند حدود التنوير التراثي للتجربة العبادية او التذكير بعظمة الدين الاسلامي انما يقف ويستأنف ليعود الى سيوف المسلمين في القرن الاول الهجري الى سيوف الصحابة التي عاضدت يد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) لإحقاق الحق في الدنيا وتحقيق موعد الظفر برضى الله تعالى). ويملك الاسلام الفاعلية الحضارية في قوته على تحريك مكونات البناء والعمل وبعث الروح الايمانية العلمية التي تجمع بين الإيمان والعلم، بين الإيمان والقدرة على تسخير الأرض وتعميرها، وبين الاحاطة بالسنن الاجتماعية والنفسية والسنن الكونية وامتلاك ناصية العلم التي تمكن الإنسان وتجعله سيداً في عالم الوجود مع ارتباطه بمنظومة القيم التي تجعله مؤهلا لوظيفة خلافة الله في الأرض إذ كانت هذه الخلافة في المشروع الالهي لتكريم الإنسان ﭽ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ ، واستنادا الى هذه القراءة المدركة لخطورة الإسلام ادخل الغرب الإسلام في برنامج العداء الاستراتيجي وتمت صياغة نظريات الاستعداء من خلال استحضار تاريخ الصراع الطويل بين الإسلام والغرب وكما (كانت الحروب الصليبية صداما عسكريا ومواجهة حضارية طويلة مضنية بين الشرق العربي الاسلامي والغرب الاوربي الكاثوليكي). عاد الغرب هذه المرة بصورة اخرى وهي صورة الاستعمار المباشر وكانت هذه العلاقة العدائية تأخذ صورا مختلفة وبما يتناسب مع الاوضاع العامة التي تسود العالم (وقد اعتاد الغرب ان يتحين الفرص ويصطاد الافكار وينضد الايديولوجيات المرحلية ليصل بها الى حالة التصارع الحضاري او الثقافي، ان المهم والاساس بالنسبة للغرب هو مصالحه الاقتصادية وتأمين احتياجاته المادية لحياته لا اكثر اما الشعوب الاخرى فلتذهب الى الجحيم).
ولذلك عندما وجد الغرب استهلاك فلسفة الاستعمار المباشر تحول الى نمط جديد في التدخل في شؤون العالم الاسلامي لضمان استمرار نهب الثروات وبقاء الشرق رهينة تحت الهيمنة الغربية عن طريق التحكم غير المباشر في اوضاعه الداخلية فعمد الى زراعة الفتن والمشاكل الطائفية والعرقية والخلافات السياسية واستخدامها كورقة ناجحة في استهلاك واستنزاف طاقات الأمة واشغالها عن المواجهة المباشرة للغرب، واخذ يطور هذا العدو الماكر وسائله لزيادة فاعلية الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي وكانت العقود الأخيرة من القرن العشرين تشهد تصعيداً للخطاب الغربي ضد الإسلام تمثلت في المواجهة الإعلامية التي تبناها الإعلام الغربي ضد الأصولية إذ حاول الإعلام من خلالها ان يصور الاسلام لدى الرأي العام الغربي بأنه عبارة عن جنس ودماء وتعصب وتخلف وبربرية، وهكذا رسم الاعلام الغربي صورة المسلم الاصولي الذي يريد العودة الى اصوله الدينية مستعيراً صورة الحركات الاصولية الغربية المرتبطة بمرحلة الصراع بين الكنيسة والعلم . ومع فشل هذا التشويه للإسلام ظهر الإسلام كتحدٍ للحضارة الغربية في داخل بنيتها وتكوينها إذ ادى نمو الوجود الإسلامي داخل المنظومة الاجتماعية الغربية الى ظهور هاجس الخوف من الإسلام في داخل الحضارة الغربية ويؤكد هنتغون (ان الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك)(24) من هنا حاول منظرو السياسة الغربية وبتحالف استراتيجي مع اليهودية العالمية صياغة مفهوم جديد لتصعيد المواجهة بين الاسلام والغرب فكان اختيار مفهوم الإرهاب مناسبا لبداية الهجوم على الإسلام وبتنسيق دقيق بين السياسة والايدلوجية بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي تم تدشين نظام القطب الواحد اوما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي جرب اول الية لعمله باعلان الحرب الشاملة ضد العراق فقد استخدم هذا النظام اكثر أنواع الأسلحة التي يملكها الغرب فتكا لتدمير مظاهر الحياة الانسانية والمجتمع المدني ثم اتبع هذه الحرب العسكرية حصارا شاملا في محاولة لإخراج العراق من دائرة العصر واعادته الى ما قبل عصر النهضة الصناعية. (وما حدث عام 1991 حين شنت القوات العسكرية الاطلسية حربها الشعواء المدمرة ضد العراق حضارة وشعبا كان نتاجا لقصدية سياسية استراتيجية غربية في المنطقة) وما حدث في العراق وما زال يحدث في انحاء العالم الاسلامي انما يعبر عن اصدق صورة لفقدان العالم الغربي اي ارتباط بالقيم الانسانية. هذه الصورة الكالحة لحضارة الغرب وصلت ذروتها في تطور المفاهيم السياسية من الثنائية القطبية الى احادية القطب الواحد او النظام العالمي الجديد ثم توجت بالعولمة التي تعني بموجب ظهوريتها الراهنة انها ليست سوى امركة للعالم. وتحاول العولمة الغاء سيادة الدولة وذلك بالغاء القيود القانونية على الاقتصاد وحركة رأس المال وضمان حرية انتقال السلع ورواج اليات السوق ولكن هذا سيؤدي الى حالة جديدة لم يكن منظرو العولمة يتوقعونه او يضعونه في حساباتهم وهي انتفاع مرتكبي الجرائم متعدية الجنسيات والمافيا والجريمة المنظمة من هذا الالغاء وقد اشار تقرير مجموعة خبراء سنة 1989 الى هذه الحقيقة فقد ذكر التقرير (ارتفاع حجم المبيعات في السوق العالمية لمادة الهروين حتى عام1990 الى عشرين ضعفاً اما المتاجرة بالكوكايين فقد ارتفعت الى خمسين ضعفاً ومن هـو قادر على المتاجرة بالمخدرات يستطيع بطبيعة الحال المتاجرة بكل شيء، كما ذكر احد موظفي الانتربول ان مصلحة التجارة الحرة هي في مصلحة مرتكبي الجرائم) ويحذر بطرس غالي من اثار العولمة بقوله (ان كوكبنا يخضع لضغط تفرزه قوتان عظيمتان متضادتان العولمة والتفكك) وبذلك يصل العالم الى حافة الهاوية وتكون نهاية التاريخ فيه كارثة كوكبية ولن تكون نهاية التاريخ كما تصورها فوكاياما على انها انتصار للقيم الليبرالية التي هي ثمرة الحضارة الغربية، بل ستكون نهاية التاريخ عودة بالمجتمع البشري الى عصر القرون الوسطى وظلامها الحالك فقد اشارت دراسات العولمة الى ان 20% من السكان في العالم لن يتمكنوا من العيش بسلام مقابل80% يمثلون السكان الفائضين عنالحاجة الذين لن يتمكنوا من العيش الا من خلال الاحسان والتبرعات)، وهذه الثمرة المرة هي ثمرة الخطيئة الامريكية التي تملك الارض اليوم حيث وضعت اليات النظام العالمي الجديد والعولمة كل مفرداتها لتأكيد القدرة الامريكية على تمثيل الحضارة الغربية في مرحلتها الاخيرة وبهذا الصدد يذكر هنتغون (ان بقاء الغرب يتوقف على الامريكيين بتأكيدهم على الهوية الغربية) وتشير محاور نظرية هنتغون الى ان الحضارات المتعددة التي يتكون منها العالم وهي الصينية اليابانية الهندية الإسلامية الغربية الإفريقية امريكا اللاتينية هذه الحضارات الذي يحكم العلاقات بينها هو الصدام ( هذا الصدام ينطلق ويعود بالاستناد الى الثقافة او الى الهوية التي هي هويات حضارية وهي التي تشكل انماط التماسك والتنافر والتحلل والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة) وهذه النظرة تختلف عن نظرة فوكاياما الذي يرى بأن انهيار القطبية الثنائية بانهيار الاتحاد السوفيتي كاطار للشيوعية ادى الى انفراد الرأسمالية والليبرالية الغربية بالعالم وهو ما يمثل نهاية التاريخ او يعتبره حاليا نشهد نهاية التاريخ بما هو النهاية الغربية للتطور الايديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية الغربية على مستوى العالم كشكل نهائي للحكومة الانسانية وبذلك تكون خاتمة الحضارات هي حضارة الرجل الأبيض حيث يكون خاتم البشر (the last man). وهذا الرأي يعبر عن جهل بالسنن التي تحكم حركة التاريخ إذ اثبت القرآن واحداث التاريخ بانه من المستحيل استمرار انفراد قوة بشرية تحكم الأرض مهما كان انتماء هذه القوة حتى لو كانت تمثل الحقيقة او الحق وذلك لسبب واضح وهو حالة الضعف وحب الذات الملازمة للإنسان وارتباطه القوي بمصالحه حتى لو كانت البداية صحيحة والتجربة الاولى ناجحة ولكن بعدها تبدأ عوامل الضعف واتباع الاهواء والتعصب تفعل فعلها فتظهر سنة التدافع لكي تزيح الاضعف وتمكن الاقوى، ويؤكد القرآن الكريم على هذه السنة بانها لمصلحة حركة الحياة الانسانية وعلى المؤمنين ان يتفاعلوا معها ويستثمروها لمصلحة قضيتهم وانها تحفز المسلمين للعمل على تجاوز اخفاقاتهم في مرحلة الاستضعاف وعلى المحافظة على تماسكهم في مرحلة التمكين وبذلك يقول الحق تعالى(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)

الصفحات