يتناول الدكتور عيسى بلاّطة، أستاذ الأدب العربي في جامعة ماكجيل بمونتريال / كندا، في هذا الكتاب مؤلفات صديقة الراحل جبرا إبراهيم جبرا بالتحليل والدراسة في خمس مقالات نقدية، ويبين دوره الفعّال في إرساء الحداثة في الأدب العربي المعاصر، بصفتها نابعة من أصالة ال
أنت هنا
قراءة كتاب نافذة على الحداثة - دراسات في أدب جبرا إبراهيم جبرا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نافذة على الحداثة - دراسات في أدب جبرا إبراهيم جبرا
وفي قصيدة اركضي اركضي يا مُهرتي (ص 5 1 ــ 8 1 )، يكرّ الشاعر على مهرته في المتاهة التي تضيع فيها أمّته حيث انعكست المفاهيم والقيم جميعاً، ويحثّها على الركض فَرِحةً بالموت والولادة على حدٍّ سواء، ويحذّرها من الحُفر على الطريق· إنه يريدها أن تصل به إلى النهاية ولا يهمّه بعد ذلك أن يكون كلّ ما تبقى من أمّته أطلالاً ميتة، فهناك يريد لمهرته أن تقف لا لتعدّد الموتى، بل لتعود إلى المدينة حيث المذياع يعوي جنازة الأحياء للأحياء (ص 8 1 )·
إن جبرا تعنيه الكلمة الحرّة يقولها ملء شدقيه في وضح الشمس ويرفض أن يمرّغ شرفها في الوحل· وتسمعه في قصيدة متوالية شعريّة يقول:
بصوتي أتكلم من خلال قناع الحديد
والصخر، وكلّ لفظة منّي
مركّب يقلع فيه ألف مغامر
بين القطيع وقفتُ هنا
على رجليّ بين القوائم السائمة
ورأسي يضرب الشمس بلا تردّد:
أيّةُ خرافةِ هذه التي تريدني
أن أمرِّغ الرأس بين إليَتَيْ كلّ ذي أربع ؟
هنا وقفتُ لكيما
أصنع الأسطورة والحقيقة على نهجي
وأعيش عنفَ حُلمي والحقيقة· (ص 0 6 )
وفي قصيدةج دهاليز يقول إنه لا يفرّ من مسؤوليّة الكلمة عندما يكتب الشعر، وأمّته ضائعة في المتاهة، فمتاهة أمّته متاهته هو· لكنّه يشعر أنه طليق بين جدران ثلاثة، رابعها الدهليز· دهليز الشعر· يمتدّ امتداد الأزل بينما هو لاجئ في أرض النوى التي تمتدّ امتداد الأزل حيث وَجَدَ الشعرَ منفذّه الأوحد:
وجدتُ في الكلمات الطليقة منفذي
في الكلمات وجدتُ إلى الفضاء
أخيراً منفذي،
أمامي يمتدّ
امتدادَ الأزل· (ص 0 5 )
وفي قصيدة عصفو العقيق يرى جبرا سرّه بل سرّ الأمّة كلّلها في هذا العصفور الأسطوري· فخواء قلبه فسيح لا تملؤه السقسقات والأغاني، لأنه يحنّ أبداً إلى عصفور العقيق الذي يملأ حتى الفيضُ منه الخواء· ولكنّه لا يكاد نيمسك به حتى ينتفض حيّاً في يده ولا يلبث أن يختفي· وهو يرمز به إلى السعادة التي يَعِدُ بها الغد· لذلك يجابه الشاعر الموت في الحاضر ويحاول نقض الماضي، بلا جدوى، لأن سرّ ذلك عند عصفور العقيق· يجب أن يكون الغد نسجاً من الأمس مارّاً بموت اليوم، يجب أن تكون حضارتنا في المستقبل نسجاً لا نقضاً لتراثنا الماضي· وهي تمرّ اليوم في تأخرنا الحاضر وموتنا الروحي الراهن، في هذا الليل العتيّ الذي يخفي عنّا عصفور العقيق· لكنّ أمل الشاعر بالغد وتحقيق الأماني كبير· وكما سمح لمهرته أن تركض في المتاهة إلى النهاية، فإنه هنا يستسلم لهذا الليل حتى عودة الصبح:
سأسلم النفس، أُسلمها
للمساء للّيلِ العتيّ ــ
هذا الهلالُ الطالعُ الراني لنجمِتِهِ
هل تملأ النجمةُ ما بين جنبيّهِ من خَواء ؟
كركري، وثرثري يا مناقيرُ عشقتُها ــ
فلعلّ في عودة الصبح يوماً
عودةَ عصفور العقيق· (ص 6 4 ــ 7 4 )