لقد دار خلاف بين الباحثين حول ما اذا كان العصر المملوكي العثماني عصر ركه وضعف ام عصر قوة في مجال الادب، فمنهم من ذهب إلى ان العصر المملوكي والعثماني كانا عصري ضعف ما بعده ضعف ومن هؤلاء عمر الدسوقي في كتابه "في الادب الحديث" يقول": "ظلت مصر وبلاد العروبة ثلا
أنت هنا
قراءة كتاب مذكرة في النثر الأدبي الحديث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
1. الخطابــة
لقد وردت كلمة خطابة بكل مشتقاتها في القران في عدة مواضع منها قوله تعالى: "وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب" وقوله تعالى: "واذا خاطبتهم الجاهلون قالوا سلاما".
معناها في اللغة من خطب الخاطب على المنبر واختطب يخطب خطابة واسم الكلام الخطبة، اسم للكلام الذي يتكلم به.
أما في الاصطلاح فالخطابة هي فن القول، وقبل هي فن القول الذي يخرج من القلب ويدخل في القلب.
وقد حدد بعض الدارسين صفات الخطبة الناجحة في الاتي:
1. الا تكون طويلة.
2. ان تكون جملها قصيرة تحب التكرار.
3. وضوح الفكرة فيها.
4. حسن اختيار الالفاظ.
5. تماسك الاجزاء.
6. ان تكون نثراً بروح الشعر.
7. ان تحتوي على مقدمة وعرض وخاتمة.
وللخطابة تاريخ قديم في الاداب العالمية فقد عرفها اليونان منذ القرن السادس قبل الميلاد، اما العرب فقد عرفها منذ العصر الجاهلي وكانت الخطابة عندهم سليقة كما كان الشعر من اهم وسيلة في الحياة بعد الشعر وكلن عندما جاء الاسلام، احتلت الخطابة المكانة الاولى مكان الشعر وادت ادواراً دينية وسياسية واجتماعية هامة في ظل الاسلام، هذا بالاضافة إلى توفر دواعيها من بث الدعوة ونشرها وتعبئة الجيوش وظهور الخلاف السياسي والاحزاب التي كان لها خطباء موهوبون يتحدثون بلسانها يبثون دعواتها، وهكذا استمر حال الخطابة ما بين شد وجذب إلى ان ماتت بعد سقوط بغداد في اخر العصر العباسي (عام 656هـ)، ولم تصحو من نومها الا على اجراس عصر النهضة.
اذا اتى العصر الحديث ببواكير الخطابة، فكانت العودة إلى التراث مدعاة إلى نهوض الخطابة لتوافر اسباب حضورها حيث كانت الوسيلة الاساس لبعث الوعي القومي والاسلامي فاصبحت عاملاً مهماً من عوامل التحرر من الظلم والاستعباد.
وكان الشيخ محمد عبده ومصطف كامل وسعد زغلول يتربعون على عرش الخطابة في مصر وغيرهم امثال عبد الله النديم واحمد عرابي، كما ظهر اخرون في العالم العربي امثال عبد الكريم الجزائري في العراق.
ومن الخطب الرائعة للمصلح الكبير مصطفى كامل المتوفى سنة (1908م) التي قالها بمناسبة توزيع الجوائز على من قاموا ببناء مدرسة من ماله الخاص يقول: "لست الان واقفاً اماكم موقف المتباهي بعلمه المعجب بصنعه، ولكني واقف موقف الخادم لامته المفدى نفعها براحته فقد أسست هذه المدرسة غير منكر في صعوبة العمل، وخطورة الامر، غير ملتفت إلى اقوال المثبطين للهمم، المميتين للعزائم، ونهضت بها مدفوعاً باعتقاد تملك فؤادي، وهو ان كل فرد في هذه الامة مطالب بخدمتها مهما قصر الآخرون، واهمل المهملون، وسرت في طريقي هذا معتمداً على قاطر الأرض والسماء، تصير العاملين وعون المجتهدين… إلى ان قال:
" ان كل فرد مهما كان صغيراً مطالب بواجب يؤديه لبلاده ووطنه وامته، ولو ترك كل مصري لابنائه من بعده حب العمل وعدم الاعتماد على الغير ارباً لاصبحنا وفينا حياة طيبة تحت الانعال وتبعث العزائم عند الرجال.
واني لست ارى لبلادي امة تهددها بالفناء مثل اعتقاد ابنائها ان الحكومة هي كل تسيء وبيدها كل امر، وعليها كل واجب، وانهم لا يسألون عن هذا الوطن ابداً على حين ان التاريخ ينطق بأفصح بيان أن للأمة التي تعتمد في كل شؤونها على حكومتها امة منزلتها من الحكومة منزلة العبد من سيده.
أما الامة التي تظهر في ميدان الحياة بنشاطاتها وجهادها واعمالها متحدة مع الحكومة تارة وعاملة وحدها تارة اخرى هي الامة لتي منزلة الحكومة منها منزلة العبد من سيده.
وهاهي ذي الامم الغربية تجدها تسبق حكوماتها في فتح المدارس وانشاء المكاتب وتاسيس المستشفيات، والقيام بكل عمل خطير مع ان حكوماتها من الثروة والقوة والسلطان مكان".
أما الاديب عبد الله النديم فقط كان فلتة من فلتات الدهر تمثلت موهبته في لسان فقد اول فصاحة وقوة وحجة وبيان، ومعرفة عميقة بنفسية من يخاطبه، فقد كان من المؤيدين للثورة العرابية ومن اشد الناس عداولة للانجليز، واكثرهم تحريفاً للتصدي لهم ومجابهتهم وعندا نزلوا الاسكندرية قام يحث الناس على مجاهدتهم باسلوب يهزجه بالشعر والقران يقول:
يا بني مصر:
هذه أيام النزال، هذه ايام النضال، هذه ايام الذود عن الحياض، هذه أيام الذود عن الاعراض، هذه ايام يمتطي فيها بنو مصر صهوات الحماسة، وغوارب الشجاعة، ومتون الاقدام لمحاربة عدو مصر بل العرب، بل عدو الاسلام، الدولة الانجليزية خذلها الله، ورد كيدها في نحرها، فقاتلوهم قتال المستميت، وليجدوا فيكم غلظة واعلموا ان الله مع المتقين، قوم نقضوا العهود ونكثوا الايمان وهموا باخراج اهل الحكم، وهم بدؤوكم اول مرة: اتخشونهم فالله احق ان اتخشوه ان كنتم مؤمنين.
يا أهل مصر:
إنما الإنجليز نجس فلا يقربوا البلاد بعد عملهم هذا، وان خفتم ضعافً فتعاونوا وتازروا ينصركم الله عليهم، ان الله قوي عزيز، كيف وان يظهروا عليكم ولا يرقبوا فيكم الا ولا ذمة، يذبحون ابناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم.